بقلم : محمد أمين
هل يسجل الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء ملاحظاته فى نوتة خارجية؟.. هل يحتفظ ببعض المعلومات لكتابتها فى وقت لاحق؟.. هل سيكون من الشخصيات التى لها رغبة فى تسجيل يومياتها؟.. هل هو من الشخصيات التى تحب أن تسجل مذكراتها؟.. اتصور أننى أتطلع إلى مذكرات الدكتور مصطفى مدبولى بعد أن يغادر منصبه، خاصة أنه من أطول رؤساء الوزراء عمرًا فى المنصب، ليترك لنا تفسيرًا لبعض الأحداث والقرارات المهمة فى حياة المصريين، مثل تسعير المواد البترولية وغيرها، وكيف تغلب عليها وكيف قدمها للرأى العام؟!
عرفنا فى التاريخ بعض رؤساء الوزراء الذين كتبوا مذكراتهم الشخصية وسيرتهم الذاتية، لتبرئة ذمتهم أمام الرأى العام وبعضهم شعر أنه قدم شيئًا مفيدًا، ومنهم من مضى دون أن يكتب شيئًا، وترك الأمر للرأى العام.. أقربهم للذاكرة كمال الجنزورى مع أنه عاش فى المنصب مدة أقل من عاطف صدقى الذى بقى فيه عشر سنوات!.
ذكرنى بهذا الأمر كتاب صدر منذ سنوات، وهو «مذكرات نوبار باشا»، وهو أول رئيس وزراء فى مصر.. ضمت المذكرات واحدًا وأربعين فصلًا، إضافة إلى مقدمة وملاحظات كتبها ميريت بطرس غالى. وغطت المذكرات الفترة من ١٨٤٢ حتى ١٨٧٩، وهى الفترة التى بدأت بقدومه إلى مصر حتى عزل الخديو إسماعيل له، وكتبت بين نوفمبر (تشرين الثانى) ١٨٩٠ ومايو (أيار) ١٨٩٤.
لم يذكر نوبار فى مذكراته شيئاً عن حياته الخاصة، كما لم يتعرض بشىء لفترتى توليه الوزارة الثانية فى يناير (كانون الثاني) ١٨٨٤، ويونيو (حزيران) ١٨٨٨، والثالثة فى أبريل (نيسان) ١٨٩٤.
يذكر أن نوبار كتب مذكراته لإعادة رسم صورته التى تشكلت بشكل سلبى حين تولى مسؤولية منصب رئاسة الوزراء ثلاث مرات خلال القرن التاسع عشر من تاريخ مصر الحديثة، واتهامه بأنه كان وراء إنشاء المحاكم القنصلية، وتحكم الإنجليز وكثير من الدول الأجنبية فى مصر، وما ترتب عليها من ديون، ومن ثم احتلالها!
بمعنى أنه كان يحاول تبييض وجهه أمام الشعب أو أمام التاريخ.. كما تحدث عن تناول إبراهيم الخمر، وعدم قدرته على التحكم فى نفسه جراء ذلك.. وتبين المذكرات أن نوبار باشا كان يتمتع بذكاء كبير فى التعامل مع الولاة، وكيف يكتسب ثقة كل منهم، حتى إن كانوا على خلاف فيما بينهم، وقد كان يعرف متى يكون قريبًا منهم، ومتى ينأى بنفسه عن الأحداث!.. ولا تخلو المذكرات من طرافة، وهو ما يتضح من حديث نوبار باشا عن محمد على، وبعض رسائله التى كان يوجهها إلى قواده، ومنها تلك التى بعث بها إلى نجله وقائد قواده فى الإسكندرية!.
المدهش فى أمر محمد على ونجله إبراهيم، اللذين كانا لهما دور كبير فى تحديث مصر وتطويرها، والاستعانة بالعلم فى سبيل ذلك ليكون القاطرة الأساسية فى تحقيق أهداف بناء الدولة، هو لجوؤهما للعرافين لقراءة الطالع بحثًا عن أخبار المستقبل، وما تخبئه الأقدار لكل منهما!.