زمن فلسطين المتحرك

زمن فلسطين المتحرك

زمن فلسطين المتحرك

 صوت الإمارات -

زمن فلسطين المتحرك

بقلم : عبد الرحمن شلقم

ثلاثة أرباع قرن مرت على هدنة رودس بين العرب وإسرائيل، بعد حرب سنة 1948، والتي انتهت باحتلال الإسرائيليين مساحة واسعة من أرض فلسطين. وقَّع العرب متتابعين على ما عرُف باتفاقية رودس. هاجر آلاف الفلسطينيين إلى البلدان العربية المجاورة، وتدفق اليهود إلى دولتهم التي تأسست بقرار من الأمم المتحدة، وسيطروا على أرضها بقوة السلاح. حصلت بلدان عربية على استقلالها من الاستعمار الغربي. حلّ السلام بين العرب واليهود، لسنوات قليلة قبل العدوان الثلاثي على مصر. انكسر العدوان سياسياً، وارتفعت الأصوات العربية الداعية إلى تحرير فلسطين من العصابات الصهيونية المحتلة. موجة الانقلابات العسكرية في بعض البلدان العربية، غيَّرت خرائط السياسة، وطغى فوران الانفعال السياسي، وصار للحلم حواس تصرخ وتتحرك. جرى القفز على اتفاقية، أو هدنة رودس التي أنهت الحرب بين العرب واليهود الذين رسَّخوا دولتهم في فلسطين. ورفعت الأنظمة العسكرية، شعار تحرير كامل فلسطين بقوة السلاح. تعالت الأناشيد التي تصدح بـ«راجعين بقوة السلاح، راجعين نحرر البطاح، راجعين كما رجع الصباح من بعد ليلة مظلمة». بعد كل انقلاب عسكري، يجري تسريح آلاف الضباط، الذين تعلو رتبهم رتب من قادوا الانقلاب. صارت الجيوش أداة الحكم الأساسية، وتحولت أجهزةَ أمنٍ تحمي السلطة، وتلاحق معارضيها، وما ينفق على بناء المعتقلات، أكثر بكثير مما ينفق على التعليم والبحث العلمي، ومشروعات التنمية. في الجانب الآخر إسرائيل، لم تشهد دولة العدو الصهيوني، أي انقلاب عسكري منذ قيامها. العسكريون من أدنى الرتب إلى أعلاها، يتقاعدون بعد وصولهم إلى سن التقاعد القانونية. بعضهم يخوض العمل السياسي، منتمياً إلى حزب سياسي، ومنهم من وصل إلى قمة هرم السلطة. حدث أن استُدعيَ جنرالات متقاعدون إلى الخدمة العسكرية، في وقت الحرب، كما حدث مع الجنرال موشي دايان والجنرال آرييل شارون، وغيرهما. الأنظمة العربية في خضم كل الأحداث والصراعات، كانت تحارب بعضها، وكثيراً ما كانت تحارب ذاتها. الآيديولوجيا القومية، صارت وعاء الحلم الذي تُصب فيه طموحات المغامرين العنيفة. وخاض الحلم التائه صراعاً مستمراً بين الغارقين فيه. الحروب بين الزعماء الذين لبسوا رداء القومية والوحدة العربية، كانوا قبضات العراك. كان الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، يطلق على حزب البعث العربي الاشتراكي، حزب العبث العربي. حين حكم حزب البعث، كلاً من سوريا والعراق المتجاورين جغرافياً، اشتعلت نار العداوة بينهما، وارتفعت ألسنة نار الدم، في قاعة الخلد حين قُتل قادة حزب البعث في قاعة الخلد ببغداد، بتهمة التآمر مع النظام السوري، لتحقيق وحدة تقصي القائد صدام حسين عن الحكم. غزو صدام حسين دولة الكويت، كان عنوان زمن عربي أبكم. المأساة صفقت طويلاً، بأيدي الغافلين، الذين أيّدوا عدوانَ عربيٍّ على أخيه الذي يجاوره. في فلسطين التي أقام اليهود دولتهم فوق أرضها، اندمج الأشكناز القادمون من أوروبا، مع السفرديم من يهود الشرق، وأبدعوا لغة من غبار كلام غاص في حفر الماضي السحيق. تطور الكيان العبري بقوة العلم والإعلام والصناعة والسلاح، والولوج إلى تلافيف العالم الحديث. لكن قضية فلسطين، تمتلك قوة تعلو كل ما تلده زلازل وعواصف التقلبات الإقليمية والدولية. انتهت إمبراطوريات، وتفككت قوى، وماتت آيديولوجيات، واختفى زعماء ملأت أصواتهم مساحات من الأرض والعقول، ولم تغب الحروب الساخنة والباردة، لكن القضية الفلسطينية غالبت وغلبت عواصف التداعيات المحلية والعالمية. في خضم جنون الإبادة التي تشهدها غزة، ويشاهدها العالم، وتوسع الاستيطان اليهودي المتطرف المسلح في الضفة الغربية، تبدع القضية الفلسطينية، قوة تهزَّ كيان التطرف اليميني في إسرائيل، وتتدافع الجموع في كل قارات العالم، تضامناً وتأييداً لشعب فلسطين. اقتحمت القضية حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وتدافع مؤيدو فلسطين حول تجمع الحزب الديمقراطي الأميركي، يطالبون بوقف عدوان بنيامين نتنياهو على الأبرياء في غزة. لا شك أن القضية الفلسطينية لها تعقيداتها المركبة، ولن تحل بالإدانة والمظاهرات، لكن الشعوب في كل القارات، تشحن القضية بنَـفَس إنساني يجعلها حية وفاعلة، ولا يطالها الوهن.

اليمين الإسرائيلي المتطرف، هيمن على السلطة، وغاص في بحر الأساطير العتيقة. في الأيام القليلة الماضية، صرّح كل من وزير المالية سموتريتش، ووزير الأمن غفير، بأن مساحة إسرائيل محدودة جداً، ولا بد لها من التوسع في أراضي بلدان عربية أخرى، وكان لهذا التصريح صدى في الولايات المتحدة الأميركية؛ إذ ردد دونالد ترمب المرشح للرئاسة الأميركية، نفس ما صرح به الوزيران الإسرائيليان. التطرف حيثما كان، يصنع أدوات نهاية أحلامه.

ستلد المنطقة العربية، جيلاً لا تعميه الآيديولوجيا، ويبدع قدراته بالعلم وعقل الحداثة، تسكنه قضية فلسطين.

في خطاب له سنة 1950، قال ديفيد بن غوريون: «يعتقد العرب أننا أخذنا أرضهم، ولن يقبلوا بذلك أبداً».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمن فلسطين المتحرك زمن فلسطين المتحرك



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 06:02 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
 صوت الإمارات - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 19:45 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

محمد صلاح يؤكد سعادته بفوز فريقه على ساوثهامتون

GMT 12:49 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف 4 مقابر لأطفال في أسوان أحدهم مصاب بشكل خطير

GMT 19:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:34 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

أحدث إطلالات جيجي حديد في اول ظهور لها في نيويورك

GMT 20:55 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

4 وفيات اثر حادث تصادم على الطريق الصحراوي

GMT 15:33 2018 الأربعاء ,02 أيار / مايو

أنواع فيتامين "الأوميجا" تعمل على تغذية الجسم

GMT 14:42 2013 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

وحيد حامد في ضيافة خيري رمضان في برنامج "ممكن"

GMT 19:05 2014 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

3 تطبيقات مجانية لمراقبة أداء أجهزة "آيفون"

GMT 14:49 2013 السبت ,06 إبريل / نيسان

الإعلام يساهم في تغير المجتمعات نحو الأفضل

GMT 10:43 2013 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة : غسل اليدين يزيد الطالب تفوقاً

GMT 00:49 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أفضل عطر نسائي للمرأة العاملة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates