انتخابات كثيرة

انتخابات كثيرة

انتخابات كثيرة

 صوت الإمارات -

انتخابات كثيرة

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

طوال الأسبوع الماضي طلّ على العالم انتخابات كثيرة تشير كلها إلى تقلبات يمرّ بها عصرنا وتضيف أشكالاً من الإثارة أحياناً، والحيرة في أحيان أخرى، وحسب الزاوية التي تقف فيها خيبة الأمل في أحيان ثالثة. الانتخابات آلية قدمها البشر لكي يقضوا في أمور يختلفون عليها فتكون هناك أغلبية يمشون في طريقها، أما الأقلية فترضى بما قُسم لها. ولكن الأمور لا تسير دائماً بهذه البساطة السعيدة؛ فالأغلبية كثيراً ما تريد إشباعاً سريعاً لاحتياجاتها الأساسية، أما مشروعات المديين المتوسط والبعيد فيكون الرجاء فيها التأجيل لأجيال قادمة. الأقلية تعتقد دائماً أنها أغلبية جرى الجور عليها بطرق غير مشروعة أو لصدف غير مقدرة أو مؤامرات كونية لا تخضع لحساب. الفرضية هنا أن توالي الانتخابات سوف يعطي الفرصة لتبادل السلطة حينما تصبح الأقلية أغلبية فتتولى السلطة وتصلح ما فشلت فيه الأغلبية. ولكن الحكمة هنا ليست دائماً متاحة، خاصة إذا ما كان الانقسام كبيراً، وكان فوز الفائز عند حافة المنتصف مما يولد شكوكاً قاتلة. وفي احتمال آخر ألا يكون في الأمر لا أغلبية ولا أقلية، وإنما قبائل سياسية مبعثرة تبدأ في البحث عن تآلفات وتكتلات تتيح لها عبور خط المنتصف ولو بصوت أو مقعد واحد. الأصل في كل هذه الحالات أنها تبحث عن الصالح العام أو على وجه الدقة الرؤى المختلفة للصالح العام، والأمر هكذا يتطلب الكثير من الحكمة والإقناع، ولكن الغالب أن الحكمة كثيراً ما لا تكون متاحة ويحل محلها الكثير من الغضب والكراهية التي في بعض الأحيان تنتهي إلى حرب أهلية. وإذا تجنب القوم الصراع بالحكمة والصبر، فإنه في البلدان المقسمة إلى قبائل اجتماعية أو سياسية أو جهوية، فإن عملية انسحاب تجري إلى داخل القبيلة لكي تلعق جراحها وتستعد لجولة أو جولات كثيرة. العصور الحديثة جعلت من الانتخابات أشبه بمباريات كرة القدم، وأعطى التطور التكنولوجي أدوات كثيرة للمخاتلة والالتباس وضياع المسافة بين الصورة والحقيقة. وفي السنوات الأخيرة، فإن النظم الديمقراطية بدأت في الشكوى من «الشعبوية» والأخبار الزائفة، وفي الحالتين تضيع الحقيقة.
قبل أسبوع كانت نتائج الانتخابات الرئاسية في البرازيل من تلك النوعية التي تقعد على الحافة، الفوز فيها والخسارة تدور حول نسبة 1 في المائة كسباً أو هزيمة، والأخطر أن خطوطها فاصلة بين «بولسنارو» و«دي سيلفيا»، والأخير كان رئيساً سابقاً ينتمي إلى اليسار؛ والأول المنتمي إلى اليمين القومي فاز نتيجة فشل الأول في إدارة البلاد، فكان اتهامه ودخوله السجن ثم خرج منه بالسمعة الكافية بالبطولة لكي يفوز مرة أخرى. متى كان الشعب البرازيلي أكثر حكمة في الحالتين هي مسألة سوف تطيح بعقول مؤرخين، ولكن بولسينارو بثّ روح الشك أثناء الحملة الانتخابية في أن خسارته لن تكون إلا نتيجة التزوير. هنا تضيع قاعدة من قواعد الديمقراطية الأساسية، وهي الثقة في النظام الانتخابي وأمانته ونزاهته؛ ولكن غياب هذه الثقة يفتح أبواباً واسعة لكثير من الشياطين. في سابقة انتخابية في الولايات المتحدة كان الرئيس دونالد ترمب قد بثّ الروح ذاتها حتى رفض كل مراحل التصديق على نتائج الانتخابات حتى وصل إلى الأخيرة في الكونغرس، فتجمهر الخلق على أبواب المجلس التشريعي يوم 6 يناير (كانون الثاني) 2020، وكان الهجوم الذي تسبب في وقوع ضحايا ومحاكمات لا تزال جارية حتى الآن بينما تستعد الأمة الأميركية لانتخابات التجديد النصفي لمجلسي النواب والشيوخ. هنا تتجسد عقدة أخرى من عقد الانتخابات، وهي أن الانتخابات السابقة تختلط فوراً بالانتخابات الحالية وتصل بالانتخابات القادمة إلى طريق مسدودة، خاصة أن ترمب ينوي الترشح مرة أخرى في انتخابات 2024، وفي انتخابات التجديد فإنه نجح في أن يكون المرشحون من الحزب الجمهوري ينتمون إلى فاقدي الثقة في نزاهة الانتخابات. فكيف يكون الحال إذا كانت الانتخابات ليست محكومة في نظمها بقوانين فيدرالية صارمة، وإنما الأمر متروك لكل ولاية لكي يكون لها نصيب خاص من الشكوك والهواجس.
في العالم كله تجرى انتخابات، وقبل كل ذلك كانت بريطانيا تدخل في حزمة من انتخابات الحزب الحاكم فاختار أولاً من لُقبت بأنها مارجريت ثاتشر الثانية، ولم يمض أكثر من 45 يوماً على رئاستها للوزارة حتى استقالت، وجاء بعد السيدة رئيس جديد له أصول هندية. نتائج ذلك جرت مناقشته في مقال آخر نُشر أمس في «المصري اليوم» الغراء. ما يهمنا هنا، هو أن بريطانيا سوف تدخل انتخابات جديدة بحكم التقاليد، ومن ثم فإن تبادل السلطة يشير إلى أن حزب العمال جاءت لحظته، فكيف يحدث ذلك إذا كان التصويت سوف يكون اختباراً للأصول الإثنية لزعيم حزب المحافظين الجديد؟ لن تكون هناك مراجعة لـ«بريكسيت»، ولا للدور البريطاني في الحرب الأوكرانية، سوف يكون البحث عن الفوز عصياً وصعباً. ولكن أحداً لن ينافس الإسرائيليين في هذه النوعية من الانتخابات التي يسبقها عشرات التصورات والسيناريوهات حول التصويت؛ ثم الأهم وهي المرحلة التالية للانتخابات حينما يحل موعد تشكيل الحكومة، وهو ما جرى خمس مرات خلال عام واحد. هل يفوز نتنياهو أم لبيد هو جزء من القضية، ولكن باقي القضية حول مستقبل إسرائيل ذاتها وعما إذا كانت تريد العيش كما عاشت ويدها على الزناد تجاه الفلسطينيين أو أنها وقد أصبحوا نصف السكان ما بين النهر والبحر لا بد من توافق على مستقبل مشترك. لا نتنياهو ولا لبيد لديه تناول لمثل هذه القضية الحيوية، ما لديه أن يبقى الحال على ما هو عليه؛ وتأجيل عمل اليوم إلى الغد الذي يفضي إلى حروب جديدة. ولكن إذا كانت الانتخابات لا تأتي بحل فهل يكون وقف الانتخابات وسيلة للاقتراب منه؟ الحالة الفلسطينية تؤكد أن ذلك ليس كذلك؛ فقد توقفت الانتخابات الفلسطينية منذ جرى انتخاب مجلس تشريعي فلسطيني ومعه الرئيس عرفات بعد توقيع اتفاقيات أوسلو ومن يومها؛ وحتى بعد وفاة أبو عمار وتولي أبو مازن السلطة لم تُعقد الانتخابات مرة أخرى. انقسمت غزة بعد انقلاب «حماس» ومن يومها تجرى أعمال للمصالحة قامت بها مصر والسعودية ومؤخراً الجزائر، وفي كل مرة تتفق الأطراف المعنية على التصالح وإجراء انتخابات لحسم القضايا المعلقة. أقسم الجميع عند أستار الكعبة المشرفة إنهم يريدون الانتخابات التي سوف تضع النقاط على الحروف وتحتها، ولكن الأمور المعلقة ظلت دائماً على حالها دون حل أو توافق. التاريخ هكذا لا تحكمه الانتخابات بالضرورة، وسواء كان الأمر في البرازيل أو في الشرق الأوسط، فإن الحلول بعيدة؛ لأن الجمهور الانتخابي ربما لا يريد حلاً، وأن الحياة الإنسانية في أصولها هي عملية البحث عن حل ولكن ليس دائماً من أجل الوصول إليه. الحكمة واقعة في السعي وليس في النتيجة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتخابات كثيرة انتخابات كثيرة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates