تأملات فى مجلس الوزراء الجديد

تأملات فى مجلس الوزراء الجديد!

تأملات فى مجلس الوزراء الجديد!

 صوت الإمارات -

تأملات فى مجلس الوزراء الجديد

بقلم - عبد المنعم سعيد

 

مر أسبوع على تشكيل الوزارة الجديدة وحلفها اليمين الدستورية لكى تبدأ رسميًّا أولى الوزارات فى الولاية الراهنة للرئيس عبدالفتاح السيسى. الاهتمام الذى جرى فى انتظار ميلاد الوزارة استمر بقوة بعد تشكيلها؛ وكما كان متوقعًا وفقًا للتقاليد القديمة أن يكون هناك إلحاح كبير على «التغيير»، حتى ولو بغرض «تغيير الوجوه» باعتباره فضلًا فى حد ذاته؛ ولكن ذلك بعد وقوع الحدث يفتر ويحل محله انتقاد ما تغير والتساؤل عما إذا كان مرضيًا أم أنه غير كافٍ. الصديق الأستاذ الدكتور على الدين هلال كتب تحليلًا كميًّا موسوعيًّا للوزارة تحت عنوان: «قراءة أولية فى التشكيل الوزارى الجديد». كان غنيًّا بالإحصاءات والسوابق الزمنية والمهنية وغلبة الطابع الفنى والتكنوقراطى على التشكيل الوزارى.

المقال بمثابة تشريح ميكروسكوبى مقارن مع السوابق التى تعود إلى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى. هى شهادة بالاستمرارية الوزارية فى دولة تعشق بطبيعتها الدوام، بينما تتوق للاستدامة وإحداث التغيير عبر زمن لا تكون فيه عجلة؛ ولكن الشهادة تغيب عنها مراقبة المسكوت عنه من غياب القطاع الخاص، فى لحظة زاد فيها النداء لوجوده. ما يهمنا هنا فى هذا السياق أن استمرار الدكتور مصطفى مدبولى رئيسًا للوزراء كان إشارة إلى أن ما سوف يأتى لن يكون مفارقة مع ما سبق، وإنما دفعة جديدة فيه. والحقيقة فإن غلبة من التعليقات أصرت على أن تكون بدايتها الإشادة بما فعلته الوزارة السابقة من إنجازات على الأرض وما تحملته من أعباء ضخمة زادت عليها مفاجآت كونية. كان هناك كثيرون ممن طرحوا ما يرونه من مهام واجبة وجوبًا قطعيًّا على الحكومة الجديدة أن تحقق الرضا للجمهور العام ترفع عنه أعباء الغلاء واللحظة الصعبة. لم يقترح أحد مشروعًا ولا خطة ولا رؤية يراها ضرورية الآن أو مستقبلية الأجل؛

.. كان رفع «الهم العام» هو المهمة الأولية للوزارة الجديدة كما لو كانت الوزارة القديمة بعيدة عن الهموم. ما تلى ذلك كان تكرار وجهات نظر والتأكيد عليها، فى ظروف لا تبدو لأحد جديدة تستدعى المراجعة.

ما كان حاضرًا هو «التشكيل»، ولكن ما كان غائبًا عنّا وظيفة الحكومة والسلطة التنفيذية فى عمومها فى قيادة الأمة مع الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى أوضاع جديدة تفوق ما كان على ضوء تغيرات داخلية، (زيادة أعداد اللاجئين والمهاجرين على سبيل المثال)، وأخرى إقليمية، (الحروب الجارية فى المحيط الإقليمى وفى الاتجاهات الأربع المحيطة بمصر)، وثالثة دولية، (استئناف الحرب الروسية الأوكرانية مضافًا إليه تصاعد احتمالات فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية). لم يكن أحد قلقًا مما يفعله الحوثيون فى البحر الأحمر ونتائج ذلك السلبية على قناة السويس. النظرة العامة كانت أن «تشكيل الوزارة» هو مسألة داخلية لا شأن لها بما يحدث حولنا كما لو كان ذلك جزءًا إما من أقدار محتومة لا صلة لنا بها؛ أو أن وظيفة الوزارة هى تحمل ضربات الخارج المفاجئة، لكنها على أى حال عليها أن تدير الداخل بكفاءة. ولم تجذب نظر أحد حالة السباق الإقليمى فى التنمية والتقدم، وما يوازيه من سباق على مستوى العالم كله، ما يفرضه كل ذلك من حاجة إلى معدلات أعلى من النمو، ومستويات أكثر رفعة من التطور التكنولوجى. كان بعيدًا تمامًا أن الوزارة الجديدة ليست إزاء وظيفة واجبة الأداء الكفء، وإنما مهمة تحقق الدخول فى السباق العالمى والفوز فيه أيضًا. المهمة هى تحقيق انطلاقة كبيرة للدولة المصرية يبدأ من زيادة الفعالية داخل مجلس الوزراء نفسه لكى تصل البلاد إلى المستويات التى تقف عندها الصين وكوريا الجنوبية وفيتنام وتركيا وغيرها من الدول التى كانت بازغة والآن متقدمة بالغة التقدم أيضًا.

تحقيق ذلك ممكن، وبدايته واقعة فى مجلس الوزراء كآلية لتحقيق المهمة من خلال استراتيجيات متكاملة فى كل الاتجاهات اللازمة. كانت أكثر تمنياتى مع «التشكيل الجديد» أن يكون أكثر رشاقة، وتمتد جرأته إلى تجميع الوزارات المتكاملة، فيكون جهد الزمن ليس البحث عن التنسيق الواجب، وإنما التركيز على الاقتراب من تحقيق المهمة أو المهام المطلوبة. التعليم على سبيل المثال يحتاج التجمع ما بين التعليم ما قبل الجامعى والجامعى والبحث العلمى والتعليم الفنى، حيث تجتمع فى حزمة واحدة طرق المعرفة والعلم والتغذية المتبادلة. ينطبق الأمر ذاته على تكامل التجارة الداخلية والخارجية، والتكامل بين الزراعة والرى، والطاقة المتجددة والأحفورية والكهرباء؛ مع إعطاء المهمة الاستثمارية للهيئة المخولة بهذه المهمة منذ سنوات طويلة. ما هو مذكور من أمثلة وما هو أكثر منها واقع فى الاستراتيجية القومية لإصلاح النظام الإدارى للدولة، والتى عرضها الأستاذ الدكتور صالح الشيخ، رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، قبل أكثر من عام فى مجلس الشيوخ، حيث تكون الوزارة أكثر رشاقة بفعل العدد المعقول للتداول فى الاستراتيجيات القومية، وأكثر فاعلية بعد أن تكون رقمنة الدولة قد سمحت بانسياب المعلومات والمعرفة بين أطراف القضية الواحدة، فلا يصير الموضوع هو التنسيق، وإنما إنجاز المهمة.

إذا كان إصلاح النظام الإدارى للدولة هو المهمة الأولى حتى تنساب الاستثمارات المطلوبة، فإن المهمة الثانية هى «بعث» رأس المال الميت فى الدولة. وإذا كان أبرز إنجازات الوزارة السابقة هو مضاعفة حجم المعمور المصرى، والنقل الفعلى لطاقات الدولة الكبرى من نهر النيل الضيق إلى بحار وخلجان البحر الواسعة؛ فإنه لا يزال هناك الكثير الذى يمكن استغلاله بدءًا من ٨٥٪ من أرض مصر الذى لا يزال صحراويًّا، ولكنه الآن تصل إليه الطرق والمنافذ المختلفة. القاعدة العامة هنا أن كل إنجاز جرى خلال المرحلة الماضية لا يليق أن يظل بلا استثمار يفيد العمل والعملة الصعبة معًا. لا يجوز ذلك فى المناطق الصناعية (١٧ منطقة)، كما لا يجوز فى البحيرات (١٤)، التى كانت مدمرة بالعشوائيات والقمامة والجريمة، ألا يجرى استغلالها والاستثمار فيها. فى الجانب البشرى فإن تعبئة المرأة المصرية للتواجد فى القوى العاملة المصرية هى أحد شروط التقدم الذائعة فى بلاد أخرى. وإذا كانت المملكة العربية السعودية يوجد فيها ٣٨٪ من النساء فى قواها العاملة، فإنه لا يليق بمصر أن تكون النسبة ١٧٪. آخر المهام للعرض فى هذا السياق أن واحدًا من أهم دروس المرحلة السابقة وضعف التقدير لما جرى من جهد على امتداد المعمور المصرى هى التواصل مع الجمهور المصرى العام وتركه فريسة لأدوات التواصل الاجتماعى أو لهجمات الإخوان المسلمين المقيتة أو لأشكال كثيرة من الأكاذيب والتقليل من شأن ما أُنجز وما أُنشئ وما فيه من حصاد شامل نقل مصر إلى مرحلة أكثر تقدمًا مما كانت عليه. تهنئة الوزارة الجديدة واجبة بما حصلت عليه من ثقة، والدعاء لها واجب لما سوف يكون عليها إنجازه من مهام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تأملات فى مجلس الوزراء الجديد تأملات فى مجلس الوزراء الجديد



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates