في مواجهة التصعيد

في مواجهة التصعيد!

في مواجهة التصعيد!

 صوت الإمارات -

في مواجهة التصعيد

بقلم - عبد المنعم سعيد

 

بينما كان العالم كله يشاهد دراما الحياة السياسية الأميركية، من محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، إلى إصابة الرئيس الأميركي الحالي جوزيف بايدن بفيروس «كورونا» التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير؛ دافعة إلى خروج الرئيس من السباق الانتخابي، ودعوة نائبة الرئيس كامالا هاريس إلى حمل الشعلة الديمقراطية في الانتخابات القادمة؛ جرت تفاصيل كثيرة منذ هذا الوقت، لكن ما كان يجري في الشرق الأوسط لم يكن يقل أهمية وخطورة؛ وباختصار: أصبحت ما كانت تسمَّى «حرب غزة الخامسة»، حرباً إقليمية واسعة النطاق. أصبح «التصعيد» هو مفتاح الموقف على الجبهة الإسرائيلية اللبنانية، حيث تصاعد القصف المتبادل مع ازدياد قدرات «حزب الله» على ضرب منشآت إسرائيلية؛ وفي المقابل فإنه فيما يبدو أن إسرائيل نجحت في اختراق الحزب، ونجم عنه عمليات اغتيال منظمة لقادة عسكريين في الحزب، وكذلك من التابعين لـ«حماس».

كذلك، فإن جماعة «أنصار الله» الحوثية التي استقرت على قصف السفن في البحر الأحمر، تجاريةً أم غير تجارية، مدّت قصفها إلى البحر الأبيض من خلال المُسيّرات، وبعد ذلك قصفت مدينة تل أبيب الساحلية؛ ما أدى إلى مقتل إسرائيلي وإصابة أربعة آخرين.

لم يمضِ وقت كثير حتى كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف ميناء الحديدة، مستهدفة فيه مخازن ومصانع تكرير النفط؛ وهو ما كان كافياً لخلق غلالة من النيران الكثيفة، التي قال عنها الإعلام الإسرائيلي إنها تريد أن توجه رسالة لمن يرى ويسمع في المنطقة. وقت كتابة هذا المقال كان المتحدث باسم الحوثيين قد أعلن عن عزم جماعته على التصعيد فوق التصعيد.

العملية باختصار لم تعد كما كانت قبل أشهر، عندما جرى التنظيم الأميركي لمواجهة غارة إيرانية بالصواريخ والمُسيّرات، انتقاماً لمقتل أحد قيادات «الحرس الثوري» في القنصلية الإيرانية بدمشق؛ على أن تقوم إسرائيل بغارة مقابلة. كان ذلك كافياً لإرضاء الطرفين ووقف التصعيد عند هذا الحد؛ لكن واقع الحرب كان أكثر تعقيداً من ذلك. أصبح الآن في مقدور الأطراف المتصادمة أن تستمر في التصعيد؛ فمن ناحية هناك الأوضاع الداخلية لكل طرف، حيث المشاعر في أكثر درجاتها سخونة؛ وهناك الرغبة في إرضاء غرائز دينية تضع الجنة أمام أعين الشهداء. من ناحية أخرى، إن الرغبة في الانتقام والأخذ بالثأر باتت مستحكمة، وهناك غرام كبير بخلق حالة من الردع لدى الطرف الآخر؛ وجوهرها أن تخلق حالة من الخوف من الأذى لدى الطرف الآخر، فلا يكرر فعله. لكن الواقع أن الردع في دائرة الكراهية غير فعال، حينما تبدو الخسائر في الأرواح والمنشآت غير ذي بال أو تقدير؛ وبدلاً منه يزيد التركيز على إمكانات النصر الذي دائماً ما يكون في أفق ليس ببعيد، حتى ولو لم تثبت التجربة أنه لا يوجد هناك إلا السراب.

المعضلة التي تقع فيها الدول الإصلاحية في المنطقة، حيث معسكر التنمية والبناء، وأضافت إليه المملكة العربية السعودية الترفيه أيضاً، حيث لا يكتمل الرخاء من دون نفسٍ مترعة بالرضا والسمو؛ هذه الدول لا تواجه فقط معسكراً متفلتاً للمقاومة والممانعة، ولا تشغله قضية بناء الأوطان وإقامة الدول، لكنها تواجه جماعات مفككة وتشكيل ميليشيات مسلحة تقوم في فوضاها بتمثيل الدول والقضايا الكبرى من دون استشارة أهلها أو معرفة مصير مواطنيها وأنصارها. التصعيد والتصعيد المضاد هو حالة من الانفلات في الأمن الإقليمي تجعل الإقليم كله معرَّضاً لأخطار بالغة؛ وإذا كانت الحرائق تأتي من مستصغر الشرر، فإنه في الشرق الأوسط لا يوجد شرر وإنما نار ولهب. المسألة التي تبدو جلية هي أن التصعيد عملية تقوم على الفعل ورد الفعل، وعندما تكون من أطراف معادية بالمعنى «الوجودي» للكلمة فإنها تسير في مسار لا يشبع من التدمير. مدرسة العنف الشرق أوسطية لم تخلق حالة القتل الجماعي التي مارستها إسرائيل في غزة، لكنها جرت بإفراط في سوريا، حيث تجاوز القتلى والجرحى ستمائة ألف ومعهم 14 مليوناً من اللاجئين والنازحين؛ والآن فإن أرقاماً مماثلة تبزغ فيما يخص السودان. والعجب، أن السودانيين يشعرون بتفرقة عنصرية لأن الاهتمام بمصابهم لا يماثل المصاب الفلسطيني.

هذه الحالة من المواجهة لن تكفيها تدخلات دولية من الأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية؛ ولن يوفيها حقها انتظار انتهاء الانتخابات الأميركية، أو خلق الدول العظمى توافقاً دولياً لمنع العنف في الشرق الأوسط. هذه المنطقة، كما حدث في كثير من مناطق العالم هي التي عليها أن تدبر أمرها بحيث تواجه العنف كما واجهت الإرهاب من قبل من خلال ائتلاف عربي إصلاحي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في مواجهة التصعيد في مواجهة التصعيد



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates