ما بعد المناظرة دور الفرد في التاريخ

ما بعد المناظرة: دور الفرد في التاريخ؟!

ما بعد المناظرة: دور الفرد في التاريخ؟!

 صوت الإمارات -

ما بعد المناظرة دور الفرد في التاريخ

بقلم - عبد المنعم سعيد

 

انقسم الفلاسفة والمفكرون حول القوى المحركة للتاريخ وانتقاله من مرحلة إلى أخرى تكون أكثر تقدماً لدى جماعة، وتأخذ الجنس البشري إلى الهاوية لدى جماعة أخرى. الليبراليون رأوا في المؤسسات الديمقراطية ما يستجيب لعمليات التغيير، ويرعاها في سلاسة فيكون للأغلبية قوة دفع تحدد ما إذا كانت كبيرة أو صغيرة. الماركسيون والاشتراكيون وجدوا آلة الانتقال في قوى مادية ممثلة في الإنتاج والتكنولوجيا المصاحبة تنعكس في علاقات طبقية تتصارع فيكون صراعها وقوداً دافعاً. الإصلاحيون بين هذا وذاك وجدوا في الاعتدال وتقاسم الحكمة نوعاً من حماية المجتمع البشري من الزلل، ودافعاً إلى ما هو معقول وعاقل. جميعهم على اختلاف وجهات النظر ابتعدوا عن مدرسة قديمة كانت ترى في الفرد المحرك للتاريخ، وما خرج عنها كان سيراً للأباطرة والجنرالات والحروب والنبوة والرسالات الإلهية. هذه المدرسة لم تكن مختفية حتى بين الغلاة في مدارس المادية الجدلية حتى أن فريدريك إنجلز ذكر في رسالة إلى كارل ماركس في آخر أيامهما أنهما بالغا في دور العامل الاقتصادي وتبعاته في التطور الإنساني، وفي الواقع أنه كان هناك أحياناً دور متميز للفرد؛ وأحياناً للصدفة. سبب ذكر كل هذه المقدمة الطويلة في مقال مساحته 650 كلمة هو أنه يبدو أن البشرية تقف الآن أمام منعطف مهم يبدو فيهما أن «الفرد» على وشك أن يقف على ناصية التاريخ ممثلاً في قائدين لدولة عظمى - الولايات المتحدة - غزيرة الإنتاج وكثيرة العسكر، وهما جوزيف بايدن - الرئيس الحالي - ودونالد ترمب - الرئيس السابق.

قبل أسبوع كتبت عن المناظرة الرئاسية الأميركية والمدى الذي مثلت فيه تعبيراً عن أزمة في الديمقراطية الأميركية؛ ولكن والآن قد انتهت المناظرة لكي تحدد الأكثر طولاً ورفعة في السياسة الأميركية، فإن المسألة لا يبدو أنها انتهت عند هذا المنعطف. فالواضح من الصورة أن العالم ليس واقعاً على قرن ثور، وإنما على شفاه رئيس أولاً فشل في المناظرة؛ لأنه لم يحصل على الجرعة الكافية من النوم بالإضافة إلى ملابسات أخرى؛ وثانياً أنه بعد المناظرة قسم الحزب الديمقراطي إلى ثلاثة أقسام: من يريدون استمراره على الطريق إلى الانتخابات على أمل أن الجمهور الأميركي سوف ينتخب مرشحهم على أي حال؛ ومن يريدون استبداله بمرشح آخر متميز يجري التصديق عليه في مؤتمر الحزب القادم؛ ومن يرون أنه لا توجد مشكلة من الأصل لأنه والحالة المؤسفة كذلك فإن نائب الرئيس - كامالا هاريس - هي القائد الطبيعي للحزب والدولة كما كان الحال في مناسبات سابقة استقال فيها الرئيس أو قرر عدم دخول الانتخابات، أو ببساطة توفي. على القرن الآخر للثور العالمي يوجد رئيس سابق - ترمب - ليس واقعاً فقط داخل دائرة من المحاكمات فيها الجنح والجنايات؛ وإنما أكثر من ذلك فإنه أعد للأمر عدته أثناء وجوده في السلطة عندما ضمن أغلبية 6 إلى 3 داخل المحكمة الدستورية العليا التي تحتكم لها باقي المحاكم الأميركية. سياسياً، فإن الرجل الفرد في التاريخ يحاول أن يكون متحدياً لما هو سائد ومعتاد ومستقر عليه؛ ولم تكن هناك صراحة أكبر من تلك التي قال بها ترمب إنه سوف يقوم بإزعاج النظام القائم، ولعل كلمة Disruptive التي استخدمها كثيراً أكبر من كلمة الإزعاج في اللغة العربية، وقد أخبرني الدكتور محمود محيي الدين أن أفضل الترجمات لها هي «المُربِكات» التي تهز الأمر الواقع، وهي باختصار تبعثر ما هو قائم وتدفعه دفعاً في اتجاهات مختلفة.

المؤكد أن الأمر يحتاج إلى الكثير من التفاصيل، والثابت فيها أن ترمب بات متفوقاً بشكل مستقر على بايدن بما مقداره ست نقاط في استطلاعات الرأي العام بعد أن كان التفوق نقطة واحدة قبل المناظرة؛ ولكن الثابت أيضاً أن ترمب يتفوق على كامالا هاريس بنحو نقطتين يضاف إليها أو تخصم واحدة أخرى. في الحالتين، فإن ترمب لم يعد متحكماً في الخطاب العام فقط، وإنما أكثر من ذلك أن تحكمه يأخذ الولايات المتحدة والعالم معها إلى مصير خطر. هذا الموقف الذي أفرز هذه الحالة من «الفردية» في السياق التاريخي الراهن يقود العالم إلى حالة من الذهول والفوضى والخلل الاقتصادي الذي تضاعف العولمة تأثيراته السلبية. في الشرق الأوسط، فإن هناك كثرة تلوم بايدن على ما قدمه من تأييد لنتنياهو؛ ولكنها تتجاهل بدافع من الكراهية ما يطلبه ترمب من نتنياهو أن ينهي المهمة، أي يبيد الشعب الفلسطيني. المؤكد أكثر أن ما بقي على الانتخابات الأميركية هو أربعة أشهر فقط!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد المناظرة دور الفرد في التاريخ ما بعد المناظرة دور الفرد في التاريخ



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates