القضية فى القرن الـ٢١

القضية فى القرن الـ٢١

القضية فى القرن الـ٢١

 صوت الإمارات -

القضية فى القرن الـ٢١

بقلم - عبد المنعم سعيد

 

كانت رحلتى مع د. أسامة الباز إلى جنيف فى يناير ٢٠٠١ آخر المشاركات المباشرة فى السعى نحو حل القضية الفلسطينية. كان اليقين لدى كل المشاركين- عربًا وعجمًا، كنعانيين وعبرانيين، فلسطينيين وإسرائيليين- بأن فرصة السلام ضاعت. نجحت الحركات المتطرفة ليس فقط فى أن تأخذ اللقطة الفلسطينية بالقيام بعمليات انتحارية كلما اقتربت فرصة من التفاوض البَنّاء، وعلى الجانب الآخر جاء فوز شارون فى الانتخابات دفعة قوية لعمليات الاستيطان الإسرائيلية، وهى القضية التى باتت عائقًا فى كل عملية سلام مقبلة. ولم تمضِ شهور كثيرة حتى جرت أحداث الحادى عشر من سبتمبر لكى تغير تاريخ العالم والإقليم والقضية «المركزية» معهما. لم تعد الولايات المتحدة مستعدة لكى تقوم بدورها التاريخى فى «عملية السلام» حيث انشغلت بغزو أفغانستان، ومن بعدها العراق، وأصبحت الحرب ضد الإرهاب حربًا عالمية. ورغم أن الجماعات الإرهابية الكبرى، مثل القاعدة وداعش فيما بعد، كانت ترى فى القضية مثالًا ناصعًا على العدوان الغربى إزاء الفلسطينيين، فإنه فى الواقع كان القتال منصبًّا على جبهات أخرى منها «القريب»- أى الدول العربية والإسلامية- والآخر البعيد فى الولايات المتحدة وغرب أوروبا. إسرائيل حصلت على فرصتها الذهبية بذيوع الصورة الإرهابية عن الفلسطينيين مرة أخرى، بحيث استعادت ذكريات خطف الطائرات التى جرت فى السبعينيات من القرن الماضى، وباستيعاب مئات الألوف من اليهود الذين جاءوا من أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى. الغزو الأمريكى للعراق لم يكن يخص العراق وحدها وتغيير النظام السياسى فيها، وإنما أكثر من ذلك ما كانت الولايات المتحدة تنويه فى بقية المنطقة، وخاصة مصر والمملكة العربية السعودية.

لم يكن ذلك ما صارت إليه الأمور، فقد تحولت إلى نوبات الربيع العربى التى هزت المنطقة خلال العقد الثانى من القرن الجديد. ومرة أخرى، فإن القضية المركزية عانت الغياب أو الإحالة إلى مستقبل لا يأتى أبدًا. ولم يكن الزمن خاليًا من الفرص، فرغم كل شراسة شارون فى مواجهة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، فإنه جعل من الضفة الغربية هدفه الاستراتيجى، وللتخلص من عبء غزة والضغوط الدولية، فإنه وافق على الانسحاب منها فى ٢٠٠٥، وبعدها عُقدت الانتخابات الفلسطينية التى أدت إلى فوز حماس فى ٢٠٠٦ وتشكيلها للوزارة الفلسطينية. ولكن ذلك لم يكن كافيًا، فقد قامت حماس بانقلاب كامل لانتزاع قطاع غزة من نطاق الأرض الفلسطينية التى قضت بها اتفاقيات أوسلو، وفوق ذلك إلى قتل قيادات تنظيم فتح فى القطاع. وفيما يخص مصر فقد وجدت موقعها الجديد سبيلًا لاختراق حدودها بالأنفاق، التى لم تكتفِ بتهريب البضائع المصرية المدعمة، وإنما أُضيف إليها قيام الإرهابيين بتفجير أنابيب الغاز المصرى الذاهب إلى الأردن وإسرائيل، وبعد ثورتى يناير ٢٠١١ ويونيو ٢٠١٣ فى مصر، أصبح الإرهاب الذى تدعمه وتؤويه حماس هو الذى وضع مصر فى أخطار بالغة خلقت تحديات كبرى للقيادة المصرية، التى قامت ببسالة شديدة بالقضاء عليها فى عام ٢٠١٨.

العقدان الأول والثانى من القرن الواحد والعشرين شهدا خفوتًا شديدًا فى مركزية القضية الفلسطينية، ولكن خلالهما قامت حماس أولًا بفصل قطاع غزة كاملًا من الضفة الغربية وفصلها عن التنظيم، الممثل الوحيد للشعب الفلسطينى المعترف به دوليًّا. وثانيًا استقرت الأوضاع لليمين الإسرائيلى فى إسرائيل، ورغم مباحثات بدَت مبشرة بين الرئيس محمود عباس ويهودا أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلى، فإن الحكومة الإسرائيلية اندفعت إلى أقصى اليمين تدريجيًّا، وتحت قيادة نتنياهو أخذت مسارًا جديدًا يندفع بعيدًا ليس فقط عن اتفاقيات أوسلو فى عمومها، وإنما أضاف إليها عزل قطاع غزة بعيدًا عن الضفة الغربية من خلال التمويل الذى تقدمه دولة قطر، وتقديم تسهيلات الغاز والكهرباء والمياه العذبة وصيد السمك فى البحر المتوسط. كانت محاولات التطويع تتقاطع مع حروب موسمية مع تنظيمات حماس والجهاد الإسلامى تذكر باستمرار التناقض الفلسطينى الإسرائيلى. نجحت القوى الدولية والإقليمية، وفى المقدمة منها مصر، فى أن تصل إلى وقف إطلاق النار. وفى حرب غزة الرابعة قامت مصر بالإعلان عن عزمها تعمير غزة بعد تدميرها وتقديم ما قدره نصف مليار دولار للقيام بهذه المهمة. والحقيقة أن قصة تعمير غزة لم تتم متابعتها بما فيها من تفاصيل، ولكن ما جاء بعدها كان طريقًا قصيرًا إلى طوفان الأقصى، الذى بدأ فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وحرب غزة الخامسة، التى لا تزال معنا حتى اليوم. فهم ذلك سوف يحتاج معالجة خاصة، وما سوف يأتى بعده يعكس مصير القضية، التى طال زمانها كثيرًا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القضية فى القرن الـ٢١ القضية فى القرن الـ٢١



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates