البناء في زمن الحرب

البناء في زمن الحرب

البناء في زمن الحرب

 صوت الإمارات -

البناء في زمن الحرب

بقلم: عبد المنعم سعيد

المقال مستمر بعد أسبوع من مقال سابق؛ وهو «مصر وجغرافيتها السياسية ٢٠٢٤»، الذى أوضحنا فيه الوضع «الجيوسياسى» المضطرب الذى تتعرض له مصر الآن فى جميع الاتجاهات الجغرافية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، والذى تمور فيه استخدامات مختلفة الشكل للسلاح. حروب أهلية فى سوريا واليمن والسودان، واضطراب فى ليبيا، وحرب بالوكالة يقوم بها الحوثيون لتحقيق اضطراب فى الملاحة والتجارة الدولية فى البحر الأحمر، مع العلم تماما أن ذلك سوف يصيب الدول العربية الواقعة على البحر بالضرر، وبالنسبة لمصر فإنه يكون بالغا لما تسببه العمليات العسكرية من ضرر لقناة السويس. المشهد لا يكتمل ما لم نسجل أن الدولة المصرية رغم مرورها بأزمة اقتصادية فإنها لن تتوقف للحظة واسعة عن البناء للطرق والكبارى والمدن الجديدة والقطارات السريعة والموانئ والمطارات والجامعات، ونقل مكاتبها من القاهرة إلى العاصمة الجديدة، وتستعد فى نفس الوقت لافتتاح عشرات المشروعات خلال المرحلة الراهنة.

المنهج الذى أخذته مصر ظل كما كان فى العقد الماضى فقد كانت تبنى كما لو أنه لا يوجد إرهاب؛ وفى العقد الحالى ظل البناء مستمرا كما لو أنه لا توجد «جائحة» وباء؛ ولا توقف البناء أبدا بعد أن نشبت الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها؛ ولم تفعل ذلك الآن وحرب غزة الخامسة تستعر مهددة بالتهجير القسرى للفلسطينيين باتجاه الحدود المصرية؛ ويقوم الحوثيون بتهديد المصالح المصرية فى البحر والقناة. وقت ذلك كله فإن مصر لم تتوقف قط عن القيام بدورها الإقليمى فى السعى نحو استقرار إقليمى يتيح للإقليم فرصة للنمو والنماء والاستقرار. وفى وقت كتابة هذا المقال كانت القاهرة تستضيف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية والأمريكية الخاصة بعقد هدنة طويلة نسبيا عن سابقتها تتيح تبادل الرهائن والأسرى فى حرب غزة، كما تتيح تقديم مساعدات وإغاثة لأهل قطاع غزة، وتمهد الطريق لتسوية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى استنادا إلى حل الدولتين. وفى نفس الوقت لم تقصر مصر فى البحث عن حل للأزمة السودانية؛ وكانت حليمة وصابرة إزاء ما يقوم به الحوثيون طالما لا يزال هناك أمل فى حل الأزمة عند منبع الأوضاع الكارثية فى غزة.

ما حدث فى الداخل والخارج شهادة للإدارة المصرية على الثبات والقدرة؛ ولكن الثمن لا يزال كبيرا مرتين: مرة لأن الأوضاع الصعبة خارجيا وداخليا مستمرة ولا يعلم أحد متى سوف تتوقف المدافع، ولا متى تتوقف تأثيراتها السلبية على الاقتصاد المصرى؛ والأمنية على الأوضاع «الجيوسياسية» المصرية. ومرة لأنه لا يمكن أن يتوقف البناء لأن الاحتياجات المصرية لا تتوقف، ولا الزيادة السكانية تقع فى هدنة زمنية، ولا طموحات مصر لكى تكون «قد الدنيا» خفتت. وببساطة فإن مصر لا تملك توقف البناء فى وقت انتشار الحروب والعنف فى الإقليم لأنها بالفعل تعيش حالة سلام. ولعل هذه هى النقطة الأولى التى على مصر التأكيد عليها فى هذه المرحلة، خاصة أن هناك فى الإقليم دولا أخرى تعيش هذه الحالة من السلام والبناء والتنمية. مثل ذلك يقع واجبا علينا بحيث لا يعطى انطباعا للعالم الخارجى بأن مصر جزء من مسرح العمليات العسكرية الجارية فى المنطقة. وعلى العكس فإن صورة مصر واحة للسلام والأمن فى منطقة مضطربة هى التى يجب أن تسود فى داخلنا وفى العالم.

مثل ذلك ضرورى لاستمرار عملية البناء الداخلى والتعامل مع الأزمة الاقتصادية فى آن واحد. تركيا التى زار رئيسها طيب رجب أردوغان مصر مؤخرا عاشت فى أوضاع مشابهة، وليست متطابقة، مع الأوضاع الراهنة فى الشرق الأوسط حيث الأزمة المسلحة السورية القريبة؛ ومع الأزمة الأوكرانية الروسية القريبة للغاية؛ وفى وقت أزمة اقتصادية خطيرة وزادها خطورة الزلزال الذى أصاب الجنوب التركى الذى يوجد فيه قوات متحاربة لتركيا. ومع ذلك نجحت تركيا فى تقديم صورة دولة سلام مستقرة جعلت ٢٠ مليونا من السائحين يزورون مدينة واحدة هى إسطنبول خلال العام ٢٠٢٣ المنصرم؛ بينما كان الرقم فى مصر كلها ١٥ مليونا هو الأعلى فى التاريخ المصرى وبجهد فائق من وزير مُجِد. مثل هذا الرقم فضلا عن ضآلته النسبية للقدرات المصرية لا يسمح بصورة تبدو مصر فيها كما لو كانت على شفا حرب حتى تقوم بتعليق أو تجميد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. السياحة فى مصر سوف يجرى تقريرها ووصولها إلى المستويات المرجوة بصورة مختلفة لمصر، ليس فقط فى مجال الحرب والسلام، وإنما أيضا بمدى الإبداع والقدرة على الاستفادة من قدراتنا السياحية التى لا يماثلها أحد، ولا تتكرر فيها الفضيحة التى حدثت للسائحة «ناتالى» الفرنسية وصارت مثلا لسوء المعاملة، وحسنا فعل الوزير أحمد عيسى بالتعامل الإيجابى مع هذه الحادثة البشعة.

ولكن السياحة واستعادتها من براثن الحرب ليست فقط هى المجال الاقتصادى الوحيد الذى علينا الاهتمام به فى وقت الحرب رغم حساسيته الشديدة؛ وسوف أترك جانبا- حتى نهاية المفاوضات الخاصة بوقف إطلاق النار فى غزة- التعامل مع الاعتداء الحوثى على المصالح المصرية فى البحر والقناة. فما لا يقل أهمية هو البناء على ما تحقق فى مصر خلال السنوات الماضية؛ أولا الإسراع بافتتاح المشروعات التى أنجزت ودخلت دور التشغيل والاستخدام؛ وثانيا طرح هذه المشروعات لمن يريد الاستثمار فيها عاما كان أو خاصا؛ وثالثا إعداد الجهاز الإدارى للدولة للتعامل مع واقع جديد لاقتصاديات السوق يختلف عما كان عليه الحال من قبل من اشتداد قبضة الدولة على الاقتصاد. دوران عجلة الاقتصاد هو السبيل لتوليد العملات الصعبة، وخلق صورة تنموية لمصر تناسب واقعها بدلا من الصورة الذائعة عنها فى الإعلام الدولى كدولة معاناة لأزمة اقتصادية طاحنة. رابعا هناك حاجة ماسة إلى رفع معدلات المصداقية لدى الحكومة المصرية التى كان لها فضل كبير فى السابق فى إضافة عامل السرعة لكافة الإصلاحات التى يجرى العمل فيها؛ فإذا بها الآن تخطو ببطء شديد فى مجالات أعلنتها بنفسها مثل وثيقة «ملكية الدولة» التى لم يتضح بعد مدى تأثيرها على الاقتصاد المصرى. خلال مؤتمر الحكومات الذى انعقد فى دبى مؤخرا أعادت الحكومة عرض الوثيقة مع إعادة العزم على تطبيقها وتنفيذ ما جاء بها؛ ولكن الواقع هو أن أكثر من عام مضى على الوثيقة لا يزال الإنجاز أقل كثيرا مما هو مطلوب. وخامسا هناك حالة ماسة لنقل الواقع الفعلى لمصر من كونها ليست فى حالة حرب؛ إلى أنها لا تزال سائرة فى مسارها التنموى، إلى المحافظات والمحليات المصرية، لكى يتسع مجال المشاركة الوطنية فى مرحلة حرجة من التاريخ المصرى، يقع فيها الواقع المصرى ما بين مطرقة الأزمات الإقليمية وسندان واقع اقتصادى صعب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البناء في زمن الحرب البناء في زمن الحرب



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates