بلاد ما بين الجنازتين
آخر تحديث 20:09:40 بتوقيت أبوظبي
الأربعاء 9 نيسان / أبريل 2025
 صوت الإمارات -
أخر الأخبار

بلاد ما بين الجنازتين

بلاد ما بين الجنازتين

 صوت الإمارات -

بلاد ما بين الجنازتين

بقلم : نديم قطيش

ليس من العدل مقارنة غيابين، تماماً كما لا يُقارن حضوران. فإذا كان الميل إلى المقارنة يبدو بدهياً، وهو بديهي بالفعل، في لحظة التزامن بين الجنازة المؤجلة لحسن نصر الله، زعيم ميليشيا «حزب الله»، والذكرى العشرين لجنازة رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، فإن ما يُغفل في العادة هو أن المقارنة، مهما بدت دقيقة، تفترض تماثلاً بين كيانين لم يكونا متماثلين أصلاً، وتلغي التعقيدات التي تفصل بين تجربتين ظاهرهما متشابه وجوهرهما لا يكاد يلتقي.

وما يُفاقم هذا القصور أن المقارنة سرعان ما تصير آلية لاختزال الظواهر بدلاً من أن تكون وسيلة لفهمها عبر تحويل التحليل إلى عملية إسقاط صرفة. لكن للقدر منطقه القاسي، وللمصادفات طريقتها في رسم المعاني التي تفلت عادةً من التحليل المباشر، كما هو الحال في تلاقي الجنازتين.

مصادفة التوقيت تفرض سؤالاً لا مفرّ منه: كيف تحوّل غياب الحريري امتداداً لحضوره السياسي والمعنوي طوال عقدين، في حين أن نصر الله، وهو الذي أمضى حياته في صناعة فائض الحضور في يوميات اللبنانيين، غاب أو يكاد عن أي نقاش حول مستقبل لبنان ومستقبل حزبه؟

لم يكن اغتيال رفيق الحريري مجرد نقطة في مسار سياسي، بل لحظة انفتاح مشروعه على احتمالات جعلت منه، رغم غيابه، حضوراً متجدداً، لا بوصفه ذكرى تُستعاد كل عام، بل بصفته منهجاً يفرض نفسه، عند كل منعطف، في صياغة الخيارات التي لا تزال تتصارع عليها البلاد. بقي مشروع الدولة الذي مثّله – رغم كل المحاولات لإجهاضه أو تحويره – نقطة استدلال عند كل نقاش حول الاقتصاد والسلطة والمستقبل، على النحو الذي جعل من اسمه الثابت الأبرز في قاموس السياسة في لبنان.

في المقابل، بدا اغتيال نصر الله إعلاناً صريحاً عن استنفاد اللحظة التاريخية لوظيفته ومشروعه وحروبه وخياراته، إن كان بمعنى التراجع المرحلي ومحاولات إعادة التموضع اليائسة لحزبه، أو بالمعنى الأبلغ أثراً لتحوّل الحزب من قوة صاعدة إلى إرث ينتمي إلى ماضٍ يتقلّص.

ستستدعى تجربة نصر الله، كلما استُعيد النقاش حول تجربة الصراعات الكبرى، لا بوصفه خياراً يفرض نفسه، بل بوصفه نموذجاً لحقبة وصلت إلى نهايتها، ولا ينبغي تكرارها.

ليس من باب الصدفة أن النظام السوري الذي نجا من كل محاولات إطاحته لعقد كامل، لم ينجُ من الفراغ الذي خلّفه اغتيال نصر الله. سبعون يوماً كانت كافية لكي تترجم خسارة «حزب الله» إلى انهيار الأسد، كأنه استكمال موضوعي لصفحة تطوى في تاريخ المنطقة.

اغتيال نصر الله، بوصفه مركز الثقل لاستراتيجيات إيران، والرجل الذي أعادت طهران عبره رسم موازين القوى في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق، ليس حدثاً عابراً، بل قاطرة دفعت بانهيارات متسلسلة. فقد المحور بوصلته، ووجدت إيران نفسها في موقف دفاعي غير مألوف، بعدما كانت تمسك دوماً بناصية قرار المواجهة. ووجد «حزب الله»، الذي لطالما عُرف بقدرته على التأقلم، أنه أمام معادلة جديدة لا يملك أدوات التعامل معها: زعيم غائب، قرار مرتبك، قاعدة شعبية أنهكها الاستنزاف، وتحالفات إقليمية باتت أكثر هشاشة مما تبدو عليه.

ولئن ساد الاعتقاد لسنوات أن مصير لبنان لا يُرسم إلا على إيقاع التحولات الكبرى في طهران، وأن تربته لا تنتج إلى ما يزرع خارجها، بات من الواجب، أخذاً بالوقائع الأخيرة بوصفها البرهان الأكثر جلاءً، إعادة النظر في هذه المسلّمة. لم يكن التغيير الذي هزّ المنطقة نتيجة قرار دولي ولا امتداداً لتسوية إقليمية، بل لحظة انكسار داخلي، حيث بدأ الانهيار من الضاحية الجنوبية لبيروت قبل أن يتمدد إلى الخارج. سقط المحور لا لأن معادلات القوى الكبرى فرضت ذلك، بل لأن الرأس الذي كان يُمسك بتوازناته قُتل، ليكشف غيابه عن أن ما بدا كتلة صلبة لم يكن، في جوهره، إلا بناءً قائماً على وهم الاستمرارية المستحيلة.

من يراقب خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع، ومن يدقق في تفاصيل النص السياسي في لبنان، أكان خطاب قسم رئيس الجمهورية جوزيف عون، أم تصريحات رئيس الحكومة نواف سلام، سيعثر بين مفردات السيادة والاستقلال والاقتصاد والتنمية، على نبرة صوت رفيق الحريري، كأن جنازته في فبراير (شباط) 2005، كانت لحظة إعلان شعبي أنه مقدر لغيابه أن يصبح بداية لحضور آخر، أعمق وأطول عمراً.

في المقابل، جنازة نصر الله تبدو محطة أخيرة في مسار تراجع بدأ قبل سنوات. وداعه سيكون إقراراً بأن الزمن الذي مثّله قد انتهى. فالسؤال لا يدور حول مستقبله، بل بات يطرح بشأن جدوى بقاء الحزب نفسه فكرةً وكياناً.

التاريخ ليس نصاً يُكتب بأيدي أصحابه وحدهم، بل هو الخلاصات التي تترسب حين يتوقف الصخب. ليس صعباً أن نتوقع أي الرجلين سيبقى اسمه محفوراً في ذاكرة لبنان، وأيّهما سيكون مجرد سطر في أرشيف النزاعات المنسية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلاد ما بين الجنازتين بلاد ما بين الجنازتين



GMT 01:09 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

قلوب الكتّاب

GMT 01:08 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

تأبين العولمة وتوديع العالم القديم

GMT 01:07 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

سوريا... اتجاه البوصلة

GMT 01:06 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

المشاهد العربي وسقف الجودة

GMT 01:06 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

العلمانية الفرنسية التي تتعب الجميع

GMT 01:05 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

أسئلة الفوضى ومنطق الدولة!

GMT 01:05 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

طرابلس الليبية أسيرة الميليشيات

GMT 01:03 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

النقاش مفتوح

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ صوت الإمارات
النجمة المصرية ياسمين صبري مع كل ظهور لها عبر حسابها على انستجرام، تنجح في لفت الانتباه بإطلالاتها الجذابة التي تبدو خلالها أنيقة واستثنائية، كما أن إطلالاتها على الشاطئ تلهم المتابعات لها باختيارات مميزة يسرن من خلالها على خطى نجمتهن المفضلة، فدعونا نرصد أجمل الأزياء التي ظهرت بها ياسمين على الشاطئ من قبل وتناسب الأجواء النهارية والمساء أيضًا. إطلالات باللون الأبيض تناسب أجواء الشاطئ من وحي ياسمين صبري النجمة المصرية خطفت الأنظار في أحدث ظهور لها خلال تواجدها في المالديف؛ بإطلالة ناعمة للغاية ظهرت فيها بفستان أبيض بتصميم عملي ومجسم ووصل طوله حتى منطقة الكاحل، مع الحمالات الرفيعة وفتحة الصدر غير المنتظمة، وتزين الفستان بفتحة ساق جانبية طويلة، كما أكملت أناقتها باكسسوارات ناعمة وأنيقة اللون الأبيض حليف ياسمين صبري في ...المزيد

GMT 19:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:34 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

عطر سان لوران الجديد هوائي وخفيف

GMT 02:26 2016 الجمعة ,18 آذار/ مارس

حقائب مميزة بالشراشيب لأناقتك في 2016

GMT 06:46 2015 الأربعاء ,07 كانون الثاني / يناير

وصول عدد متابعي إليسا عبر "فيسبوك" إلى 15 مليون شخص

GMT 19:22 2013 الإثنين ,29 تموز / يوليو

مجموعة النيل تُصدر كتاب "الرجيم المناخي"

GMT 02:59 2015 الأربعاء ,01 إبريل / نيسان

الأحوال الجوية تعطل الصيد والسياحة في الكاميرون

GMT 20:22 2014 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

"الشمس" من أقدم المنتجعات في منطقة اثنين أوريكا في مراكش

GMT 01:49 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

آبل تستعد لإطلاق هاتف يدعم شبكات "5 جي"

GMT 15:02 2012 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

3 أمور قد تغيّر رأيك في الرّجل

GMT 16:33 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

تقرير يبرز أن الشورت الرياضى موضة ربيع وصيف 2020

GMT 04:11 2020 الأربعاء ,29 كانون الثاني / يناير

موديلات دبل خطوبة كبيرة وفخمة

GMT 12:46 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إليك أبرز ديكورات مدافئ فخمة مع الإكسسوارات الأنيقة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates