مجدداً المقاومة هي سبب الاحتلال وليس العكس

مجدداً... المقاومة هي سبب الاحتلال وليس العكس

مجدداً... المقاومة هي سبب الاحتلال وليس العكس

 صوت الإمارات -

مجدداً المقاومة هي سبب الاحتلال وليس العكس

بقلم : نديم قطيش

المقاومة هي سبب الاحتلال في لبنان لا العكس. هذه هي الحقيقة التي من دون الاعتراف بها لن يستقيم حال هذا البلد الصغير، ولن تقف دوامة المعاناة فيه.

فلبنان المحرَّر بالكامل منذ نحو ربع قرن، يعيش الآن حربه الثانية مع إسرائيل، والأكثر تدميراً لميليشيا «حزب الله» وللبلد نفسه، بسبب أن ما تسمى المقاومة قررت المضي في عسكرة كل تفاصيل الحياة السياسية والوطنية.

تُكابر سردية الميليشيا الآن لتُبقي التركيز على ما تسميه «المشروع الصهيوني»، وتسعى أيضاً بكل ما أوتيت لإبقاء عدسات الكاميرات مصوَّبةً نحو الضحايا، بعد افتضاح حجم تغلغل السلاح والأعتدة والمسؤولين بين بيوت المدنيين والناس، الذين إمَّا قضوا وإمَّا تَركوا مساكنهم.

لم يقل لنا أحد حتى الآن لماذا لم يُفعَّل هذا المشروع الصهيوني في لبنان لمدة ربع قرن منذ عام 2000؟ ولماذا أصلاً نجح لبنان في تحييد نفسه عن نتائج حرب 1967؟ هل ينبغي التذكير بأن شبراً لبنانياً واحداً لم يُحْتَل في تلك الحرب التي ابتلعت الجولان والضفة والقدس وسيناء؟!

كان يمكن للانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000 أن يعلن نهاية عقود من الصراع ويغلق فصلاً مؤلماً في تاريخ البلاد. بيد أن إصرار ميليشيا «حزب الله» على التمسك بدور عسكري يخدم طرفاً محدداً في صراعات النفوذ الإقليمي، تحت شعار «المقاومة»، حرم اللبنانيين من الاستفادة من الإمكانات الرائعة لبلدهم.

لا بد من هذا التبسيط لفهم حقيقة ما يحصل اليوم وحقيقة ما قد يحصل غداً على نطاق أوسع وأسوأ.

جوهر المعضلة التي نعيشها أن مصير لبنان الحالي ليس مجرد نتيجة حتمية لما يسمى «المشروع الصهيوني»، بل حصيلة موضوعية لاستراتيجيات وقرارات اتخذها «حزب الله» منفرداً، وربط من خلالها مصير لبنان كله بعواقب تلك القرارات، متجاوزاً كل ما له صلة بفكرة الدولة اللبنانية، ومحولاً البلاد إلى ساحة معركة للمصالح الإقليمية.

وعليه أقول ما قلته في هذه الصحيفة عام 2017؛ إن المقاومة هي سبب الاحتلال لا العكس.

تعود جذور هذه الحالة إلى اتخاذ منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان خلال السبعينات وأوائل الثمانينات، قاعدة عمليات ضد إسرائيل. جاءتنا أولى علامات المصير القاتم في عملية الكوماندوز الإسرائيلية في مطار بيروت وتدمير طائرات شركة «ميدل إيست» في الأيام الأخيرة من عام 1968. بعدها بأقل من عام، وعلى أثر مكابرة منظمة التحرير وحلفائها، كما يكابر «حزب الله» اليوم، فُرض على لبنان اتفاق القاهرة 1969 الذي شرعن العمل الفلسطيني المسلح منه وفيه، مما دفع البلاد نحو الانفجار الأهلي عام 1975، ثم الاحتلال الإسرائيلي عام 1978، يليه اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، الذي سقطت بموجبه العاصمة بيروت!

والآن يعيد التاريخ نفسه. لا ننسى أن ظروف حرب عام 1967 تشكَّلت من عناصر سياسية واقتصادية وعسكرية معقدة تتجاوز الروايات التقليدية التي تصوِّر الصراع على أنه عمل هجوميٌّ من جمال عبد الناصر أو دفاعيٌّ من إسرائيل. لعبت الصراعات بين الدول العربية، لا سيما مصر وسوريا والأردن والعراق، دوراً حاسماً في تصعيد التوترات. بالتوازي كانت زعامة عبد الناصر تواجه ضغوطاً هائلة إنْ كانَ على مستوى الاضطرابات الداخلية الاقتصادية والسياسية في مصر، أو على مستوى التوقعات من الخطاب القومي العربي وادعاءاته، مما دفع تالياً إلى زيادة التصعيد ضد إسرائيل وأفضى إلى الحرب معها في نهاية المطاف! زِدْ على ذلك التفاعلات الأوسع في إطار الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة التي أسهمت هي الأخرى في خلق وضع متفجر في المنطقة، عزَّز سباقات التسلح والمنافسة بين القوى الكبرى وجعل من الحلول العسكرية خياراً مفضلاً للجميع.

أما إسرائيل فلم تكن مجرد دولة في موقفٍ دفاعيٍّ، بل انخرطت، كما يفعل بنيامين نتنياهو اليوم، في رهانٍ على الحرب، تُعيدُ من خلاله تشكيلَ ميزان القوى الإقليمي لصالحها، مدفوعةً بحماسة النخبة العسكرية الإسرائيلية للحلول العسكرية لمعالجة المشكلات السياسية.

مثل الأمس، فإن ما يعيشه لبنان اليوم، هو نتيجة مباشرة لاستثمار إيران المأزومة في فكرة المقاومة، لتصدير مشكلاتها إلى الخارج، وتعطيل الحلول السياسية لحساب الحلول الثورية، والانقلاب على ديناميات ناشئة في المنطقة تريد التركيز على السلام والاستقرار والتنمية والتكامل. فلا شيء من المواضيع العالقة بين لبنان وإسرائيل إلا ويمكن حله بالتفاوض والدبلوماسية، وقد جرَّب «حزب الله» ذلك بنفسه حين رُسمت الحدود البحرية.

أمام لبنان فرصة اليوم، وهي تكريس أن ما تسمى المقاومة فكرة سقطت في سياقها اللبناني بعد أن تحولت سبباً للاحتلال والنزاع المستمر ودورات العنف المتكررة.

لم يبقَ من فكرة المقاومة إلا كونها ذريعة لحماية وممارسة النفوذ الإيراني في الإقليم. ما يعيشه لبنان اليوم تحوَّل من فكرة التفاهم الممكن على نزع سلاح «حزب الله» إلى المصير القاتم نتيجة قرار نزع الحزب نفسه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مجدداً المقاومة هي سبب الاحتلال وليس العكس مجدداً المقاومة هي سبب الاحتلال وليس العكس



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد

GMT 04:52 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

"هيئة الكتاب" تحدد خطوط السرفيس المتجهة للمعرض

GMT 04:47 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

شادي يفوز بكأس بطولة الاتحاد لقفز الحواجز

GMT 18:39 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الأماكن حول العالم للاستمتاع بشهر العسل

GMT 17:16 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وعد البحري تؤكّد استعدادها لطرح 5 أغاني خليجية قريبًا

GMT 05:14 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إيرباص A321neo تتأهب لتشغيل رحلات بعيدة المدى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates