كلا إيران لم تبع حسن نصر الله

كلا... إيران لم تبع حسن نصر الله

كلا... إيران لم تبع حسن نصر الله

 صوت الإمارات -

كلا إيران لم تبع حسن نصر الله

بقلم : نديم قطيش

 

القول إنَّ إيران باعت «حزب الله» لا يعدو سطراً في لعبة النكد السياسي والنكايات التي تستدرجها الخصومة معه. فالعلاقة بين إيران وأبرز منتجات فكر تصدير الثورة الخمينية؛ أي «الحزب» وقادته، تحددها الحسابات الاستراتيجية والجيوسياسية، لا تصرفات هنا وقرارات هناك، أياً يكن حجم اللحظة التي نتحدث فيها. ليس «حزب الله» مجرد ميليشيا ترعاها إيران، ولا زعيمها المغتال حسن نصر الله مجرد حليف، فهذا الكيان يشكل امتداداً لنفوذ طهران الإقليمي، ويعدّ مكوناً عضوياً من مكونات الردع الاستراتيجي ضد إسرائيل، ومنصة تعبئة وتثوير ورعاية للمحور الشيعي - العربي نيابة عن طهران. وبالتالي؛ ليس بمثل هذا الاستسهال يباع ويُشترى من كان هذا موقعه.

الصحيح أن اغتيال نصر الله، والتفكيك شبه التام لبنية «الحزب» العسكرية، وتجفيف خزان المواهب عبر الاغتيال الممنهج، خسارة كاملة لإيران نفسها. يشبه سقوط «نظام حزب الله»، بقتل حسن نصر الله، الزلزال الجيوسياسي الذي وقع بإسقاط نظام صدام حسين في العراق. فتح الثاني الباب لإيران لاجتياح المشرق، وسيفتح الأول باب إمكانية خروجها منه.

إنهاك «حزب الله» ووضعه على سكة النهاية، بعد تحطيم «حماس»، ورفع مستوى الضغط على الحوثي والميليشيات العراقية، يشكل ضرباً في القلب لعقيدة «الحروب بالوكالة» التي تتبعها إيران. وليس خافياً أن «حزب الله» هو درة تاج هذه الاستراتيجية التي استثمرت فيها إيران مالياً ولوجيستياً وآيديولوجياً لعقود طويلة وصعبة؛ لخدمة أولوية استراتيجية للنظام الإيراني؛ هي تجنب الانخراط في حرب مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة.

إن الأولوية المباشرة لإيران الآن هي إعادة ترتيب هيكلية «حزب الله»، والمسارعة إلى تأمين استمرارية المنظمة عبر أمين عام جديد وفريق عمل موثوق يمكنهم إشاعة بعض من الطمأنينة لدى «جمهور المقاومة» وبدء رحلة الخروج الصعبة من محنة الاجتثاث التي تعرض لها «حزب الله» خلال الأشهر الـ11 الماضية. لا أحد مثل إيران يعلم أن هذا الترميم الذي تكتنفه تحديات استراتيجية سيبدّد، مؤقتاً على الأقل، كثيراً من براعة وكفاءة وفاعلية «حزب الله» على الساحتين العسكرية والسياسية، وسيربك بالتالي نفوذ إيران في لبنان وما بعده.

أما الترميم الأصعب وغير المنظور فهو لما يحدث داخل إيران نفسها من صراعات أجنحة شديدة القسوة. تستشعر إيران أن اغتيال نصر الله يشكل تحدياً مباشراً لمكانتها الإقليمية، وتنوء قيادتها تحت ثقل الضغوط عليها من جمهور المحور داخل إيران وخارجها، بسبب التوقعات التي ألهبتها الدعاية الإيرانية. وعليه؛ فإن الدور الأساسي الذي يلعبه النظام الإيراني الآن هو الموازنة الدقيقة في إدارته ردود الفعل. فثمة من يريد ردود فعل أكثر عدوانية من قبل طهران نفسها رداً على هذه النكسات، وهو ما لا طاقة لها به الآن. وثمة من يقول إن عدم الرد سيفقد إيران هيبتها وقدرتها على السيطرة على حلفائها ووكلائها إذا أمعنت في ممارسة «الصبر الاستراتيجي».

ليست قدرات «حزب الله» العملياتية هي ما سيتأثر فقط بما حدث، بل كل ديناميات القوة الإقليمية لإيران بفقدانها درة تاجها في المنطقة، وعلى نحو بات يسمح بالتفكير في أن ميزان القوى في لبنان والمشرق العربي يتغير بشكل عام، ويمكن استغلاله لمواجهة نفوذ إيران في لبنان وسوريا. فبإزاء تراجع «حزب الله»، من المحتمل أن تبدأ الفصائل السياسية الأخرى، كالقوى المسيحية والدرزية وحتى بعض الشخصيات والكيانات الشيعية في لبنان الابتعاد عن النفوذ الإيراني، والبحث عن ملاذات سياسية في كنف الدول العربية، لا سيما دول الخليج. ولأن ما يواجه النفوذ الإيراني من تحديات لن يترجَم تلقائياً إلى معادلة استقرار في لبنان والمنطقة، حيث قد تحاول إيران إعادة فرض سيطرتها بوسائل أخرى؛ بما فيها دعم الميليشيات الطائفية، فإن الفرصة سانحة لدور عربي تجاه إيران، لطمأنتها بأن ثمة مخارج طوارئ متاحة.

والفرصة سانحة أيضاً لدور عربي كبير في لبنان، لا من باب تقديم المعونة الإنسانية فقط، بل من باب المبادرة السياسية للاستثمار في الفراغ الجزئي، ولكن الكبير، الذي خلفته الأحداث العملاقة الجارية في هذا البلد.

يمثل اغتيال نصر الله وإضعاف «حزب الله» تحدياً استراتيجياً لإيران، وقد يزيد بالتالي من مخاطر عدم الاستقرار الإقليمي واحتمالية التصعيد بين شبكة وكلاء إيران وإسرائيل، وربما ضد دول عربية محددة. لكن هذا الحدث يتيح فرصة عملاقة من غير المسموح تفويتها. فهيمنةُ «حزب الله» على النظام السياسي اللبناني وتوظيفه في استراتيجية إيران الإقليمية، قبل 27 سبتمبر (أيلول) 2024 أمرٌ؛ وما بعد هذا التاريخ أمرٌ آخر. بيد أن الامتحان الحقيقي سيظل دوماً في الطريقة الخلاقة التي تتيح الاستثمار في انهيار هذه السيطرة من دون زعزعة استقرار النظام السياسي اللبناني الهش أو الإخلال بتوازناته الطائفية، ومن دون حشر إيران في الزاوية ودفعها لهدم الهيكل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كلا إيران لم تبع حسن نصر الله كلا إيران لم تبع حسن نصر الله



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد

GMT 04:52 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

"هيئة الكتاب" تحدد خطوط السرفيس المتجهة للمعرض

GMT 04:47 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

شادي يفوز بكأس بطولة الاتحاد لقفز الحواجز

GMT 18:39 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الأماكن حول العالم للاستمتاع بشهر العسل

GMT 17:16 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وعد البحري تؤكّد استعدادها لطرح 5 أغاني خليجية قريبًا

GMT 05:14 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إيرباص A321neo تتأهب لتشغيل رحلات بعيدة المدى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates