بقلم - مشعل السديري
بعض أمراء المؤمنين يتمتعون بشيء من (الروح الرياضية)، وإليكم واحداً منهم:
يقولون إن (يزيد بن عمر، دخل يوماً على المنصور وقال له: يا أمير المؤمنين توسع توسعاً قرشياً، ولا تضيق ضيقاً حجازياً، فرد عليه وكأنه يستفسر: حدثنا).
فقال: إن سلطانكم حديث، وإمارتكم جديدة فأذيقوا الناس حلاوة عدلها، وجنبوهم مرارة جورها، فوالله يا أمير المؤمنين لقد محضت لك النصيحة، ثم نهض معه سبع مائة من قيس، ثم قال: لا يعز ملك يكون فيه مثل هذا، وبعدها أطرق المنصور ساعة ثم قال: إن بني أمية ظلموا الناس وغصبوا أموال المسلمين، فرد عليه يزيد: إن ذلك يحتاج إلى بيّنة يقبلها الحاكم تشهد أن المال الذي لبني أمية هو الذي في يدي وأنه هو الذي غصبوه من الناس، وأنت تعلم أن بني أمية كانت لهم أموال لأنفسهم غير أموال المسلمين التي اغتصبوها على ما يتهم؟ فسكت المنصور، ثم قال: يا ربيع، صدق الرجل، ثم سأله: ألك حاجة؟ قال: نعم، قال: ما هي؟، قال: أن تجمع بيني وبين من سعى في إليك فوالله يا أمير المؤمنين ما لبني أمية عندي مال ولا سلاح، وإنما أحضرت بين يديك وعلمت ما أنت فيه من العدل والإنصاف واتباع الحق واجتناب الظلم.
فقال المنصور: يا ربيع، اجمع بينه وبين الذي سعى به، فجمع بينهما، فقال الشاكي: يا أمير المؤمنين، هذا أخذ لي خمسمائة دينار وهرب، ولي عليه مسطور شرعي، فسأله المنصور: فما حملك على السعي كاذباً؟ قال: أردت قتله ليخلص لي المال.
فلما ظهرت الحقيقة قال الرجل: قد وهبتها له يا أمير المؤمنين، لأجل وقوفي بين يديك وحضوري مجلسك ووهبته خمسمائة دينار أخرى لكلامك لي، فاستحسن المنصور فعله وأكرمه ورده إلى بلده مكرماً، وكان المنصور كل وقت يقول: ما رأيت مثل هذا (القيسي) قط، ولا أثبت من جنانه ولا من حجني مثله ولا رأيت مثل حلمه ومروءته.
ومما يروى أن المنصور خطب بالناس يوماً عندما كان في الشام وقال: أيها الناس ينبغي لكم أن تحمدوا الله تعالى على ما وهبكم في، فإني منذ وليتكم صرف الله عنكم الطاعون الذي كان يجيئكم، فرد عليه إعرابي بصوت شجاع جهوري يسمعه الناس قائلاً: إن الله أكرم من يجمعك أنت والطاعون علينا، فسكت المنصور وأطرق قليلاً، ثم قال بصوت متهدّج وعين دامعة، وهو يردد هذا البيت من الشعر الذي يحفظه:
ومالي لا أبكي بعين حزينة وقد قربت للظّاعنين حمول؟!