بقلم : مشعل السديري
مررت بتجربة مع إنسان، وكان قوام تلك التجربة الخداع والتلاعب بأعصابي وأكل بعض حقوقي، والمشكلة أنه لا يوجد لديَّ مستمسَك مادّيّ ضده، فهو مع الأسف رجل (محترف)، وأنا مع الأسف رجل (غشيم) وجايب العيد –والاعتراف بالحق فضيلة.
المهم عرفت باب رجل آخر شهم أثق به، وحكيت له ورطتي مع ذلك الكذّاب، وعندما سمعني أصفه بالكذّاب قال لي: تمهَّل، إن كل الناس يكذبون بمن فيهم أنت، فرددت عليه بغضب: إن كذبي أبيض، فقال: أحسن لك بلّه واشرب مويته.
قلت له: إن معنى كلامك أنك لا تريد أن تساعدني وصمتُّ، وعندما لاحظ صمتي رحمني، وقال لي: صحيحٌ ما تقول، وأعرف شخصيتك التي هي من الضعف أحياناً إلى درجة أن بعض الأطفال قد يضحكون عليها، فجزء من اللوم إنما هو بالدرجة الأولى يقع عليك يا أبيض.
سألته: طيب ماذا أفعل؟ إنني لا أنام بالليل من شدة القهر يا رجل! أخذ يُهدئني قائلاً: لا عليك، وإذا أردت نصيحتي، اذهب إليه، واكتشف بنفسك أكاذيبه، فسألته: كيف؟! قال: عليك أولاً أن تضع عينك في عينه، لأن الكذاب يحاول قصارى جهده لكي يتجنب تلاقي العيون، وركِّز على حركاته وقت النقاش؛ كأن يلمس أنفه، أو يحكّ خلف أذنه، أو يفرك عينه... اذهب إليه وكنْ شجاعاً ولا تتردد في طرح استجوابك عليه، فأنت صاحب حق، والحق يعلو ولا يُعلا عليه.
حمَّستني كلماته، واتصلتُ بغريمي أطلب لقاءه، فرحَّب بي بكل ود قائلاً: تفضل، ولكن ليكن في معلومك أن وقتي ضيق، ولا أستطيع أن أجلس معك أكثر من ربع ساعة.
ذهبت وواجهته، وبدأت مطبّقاً النصيحة بتركيز نظراتي على عينيه، فما كان منه إلاّ أن سألني: لماذا أنت (مفرصع) هكذا كالمعتوه؟! أحسن تعالَ كُلني بنظراتك. ارتبكت قليلاً وقلت له –على بلاطة: أنت كذبت عليّ، فقهقه ضاحكاً وهو يقول لي: وعلى إيه أكذب عليك يا حسرة؟! هل تظن أنك (شهبندر التجّار) يا فالح؟!
وبدلاً من أن أمسك أنا زمام مبادرة الهجوم، إذا به هو يُمطرني بالأسئلة الاستفزازية (العويصة)، وإذا بالطاولة تنقلب على رأسي، وأصبحتُ في موقع المدافع الذي يبحث عن الفرج.
لم يلمس هو أنفه، أو يحكّ أذنه، أو يفرك عينه بيده، بل إن يده كادت تمتد على (صابري)، لولا أنني كنت أتراجع للخلف طوال نقاشنا الممتدّ، إلى أن وصلت إلى الباب، وخرجت طلباً للسلامة، وصوت الباب المرزوع خلفي كاد يخرق طبلة أذني.