السعودية والفلسفة طريق المعرفة والاستكشاف

السعودية والفلسفة... طريق المعرفة والاستكشاف

السعودية والفلسفة... طريق المعرفة والاستكشاف

 صوت الإمارات -

السعودية والفلسفة طريق المعرفة والاستكشاف

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

بعد النجاح المؤكد لنسخة المؤتمر، في مثل هذا التوقيت من العام المنصرم، والذي أسهم في ترسيخ الدور الدولي للمملكة في مجال الفلسفة، وعزز من موقعها وموضعها كمركز إقليمي للحوار الفلسفي، ها هي «هيئة الأدب والنشر والترجمة» في السعودية، تقوم على تنظيم مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2022، في مكتبة الملك فهد الوطنية.
النجاح مغرٍ ومُعْدٍ في الوقت ذاته، يغري باستمرار المسيرة، ويعدي بالمعنى الإيجابي والخلاق؛ ما يجعل السعودية تفتح أبوابها من جديد لمثقفي العالم ومفكريه، في اليوم العالمي للفلسفة بحسب منظمة اليونيسكو، وليبسط الحوار من حول «المعرفة والاستكشاف: الفضاء، والزمان، والبشرية»، وهي منظومة موصولة من غير قطع بين الإنسان والكون، ولا يسبر غورها سوى الراسخين في العلم.
يخلق المؤتمر الثاني للفلسفة على أرض المملكة، أريحية معرفية واسعة، ويفتح آفاقاً للحوار، ويضيف مناقشات مستجدة حول علوم الفلسفة وتطبيقاتها.
تبدو فعاليات المؤتمر هذا العام مجالاً رحباً للتفكر في عوالم أبعد من الكرة الأرضية، التي تضيق بساكنيها يوماً تلو الآخر، لا سيما في ظل الخوف من تراجع في الموارد، ومن هنا تبدو التساؤلات المعرفية حول الزمان والمكان أمراً واجب الوجود.
حين تستقبل السعودية نخبة من فلاسفة وعلماء ومؤرخين ثقات، من أرجاء العالم كافة، فإنها تخرج بالمنطقة برمتها من ضيق الآيديولوجيات، وتزمّت الأصوليات، إلى رحابة الإبستمولوجيات، وذاك عبر التأكيد التنويري للقيادة الحكيمة، و«الرؤية التنويرية 2030» التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على التسليم بانتهاء عصر النظريات الجامدة المؤدلجة، ووضع حد للمراهقات الثورية التي لا تسمن ولا تغني عن جوع، إضافة إلى نهاية زمن الطفولات العربية العقلية، وما أعظمها من مراحل وأهداف لأمة تسعى للفوز في سباق كوني معرفي لا هوادة فيه.
مؤتمر السعودية الثاني للفلسفة يفيد بأن العرب قد حزموا أمرهم، وعقدوا عزمهم، على خوض غمار اللقاء الفكري مع العالم من حولهم، من غير خجل أو وجل، وهم أصحاب الإرث الفكري والفلسفي الذي يمثل كنزاً تاريخياً كبيراً، كما أنهم، لن يستمروا طويلاً في موقفهم الانتقائي من الحضارات المغايرة، غربية أرسطية، أو شرقية كونفوشيوسية، ولن يسيروا وراء الحداثة المادية لهذه أو تلك، متجاوزين حداثتها العقلية والروحية، فيما توغل كلتاهما في ثناياها اليومية من دون هوادة.
ذات مرة تحدث الفيلسوف الألماني المثير، فريدريك نيتشه (1844 - 1900) بالقول «إن الفيلسوف طبيب للحضارات، بمعنى أنه الوحيد القادر على تشخيص أمراض الأمة، ووصف العلاج المناسب لها».
وحال اجتماع هذه العقول الفلسفية والفكرية، الفنية والإعلامية، الأدبية والفلكية، تحت سماء العاصمة السعودية الرياض، يبقى من المؤكد جداً، أن هناك رؤية جديدة تتخلق في الذات العربية تجاه قضايا لطالما عطّلت مسيرة النهضة والإبداع العربيين، من قبيل اليقينيات التراثية المطلقة، ومعادلات اللزوميات والينبغيات الجافة، إضافة إلى مفاهيم العصبيات الطائفية المنغلقة في انسداد تاريخي مرير؛ ما أوصلنا إلى حالة غسق الأصنام والمعبودات المعاصرة، حتى وإن لم تكن على شاكلة ما وجد حول الكعبة المشرفة قبل ظهور الإسلام من تماثيل حجرية.
تتقاطع شروحات وطروحات المؤتمر هذا العام، مع قضايا حداثية فاعلة ومؤثرة في مسيرة الجنس البشري، وتتسنم قصص الفضاء والزمان، والبحث في افتراضات كونية، والاستعداد لعالم عابر للكواكب، والنظرة الجديدة حول الإنسانية، ومستقبل كوكب الأرض، قائمة الرؤى التي شغلت وستشغل عقول المشاركين من سعوديين وضيوف من أرجاء الكرة الأرضية كافة.
ولعل الإبداع الحقيقي في مؤتمر الفلسفة الثاني في الرياض، تمثل في قدر التساؤلات الخلاقة التي طرحت، ولا يهم إن وجدت لها إجابات شافية وافية خلال أيام المؤتمر الثلاثة أم لا، فنحن، والحديث للسياسي والمفكر البولندي الفيلسوف، ججيجوش دابليو كوودكو، في حاجة إلى أن نسأل أكبر عدد ممكن من الأسئلة، ففي بعض الأحيان، يكون السؤال الجيد، أكثر إفادة من الإجابة الناقصة؛ فالأسئلة على عكس الإجابات، لا تصر على رأي بعينه، بل ترشدنا إلى الاتجاه الذي ينبغي أن نبحث فيه.
يوماً تلو الآخر، يتبدى للناظر الموضوعي، الصادق في حكمه، والمنزه عن الهوى، انحياز السعودية للمستقبل، والتماسها روح العصر، ومن غير أن يعني ذلك التهاون مثقال ذرة في الثوابت الإيمانية والروحية، وهي معادلة صعبة لو يدرك القارئ، بجانب تغليب العقلانية على الخرافة، وتحديد الموقع والموضع من الآخر.
تمضي المملكة في طريق مجتمع يبني مداميكه من خلال الوعي بالذات والتثاقف مع الآخر، مجتمع يعلي قوائمه، من خلال الجهد والإصرار، ويعزز تطوره الانحياز غير المشروط للمستقبل.
ما تقوم به السعودية في الحال، وما ينتظرها في الاستقبال، ومن غير مجاملة أو تقريظ، هو سعي في طريق نشأة جيل جديد قادر على التفكير الإبداعي، ومن غير قيود الأنساق الاتباعية الماضوية، وليس أدل على صدقية هذا الكلام، من الجناح الفلسفي الذي أقيم للأطفال ضمن فعاليات المؤتمر، وما يصاحبه من أنشطة؛ بهدف تعزيز قدرات الأجيال الناشئة، وتزويدها بالمهارات والمعارف في المجالات الفكرية والفلسفية.
أقرب وأصدق معنى للفيلسوف، هو محب الحكمة، وإيمانياً الحكمة ضالة المؤمن، والتساؤل العقلي والنقدي، هما البداية السليمة لمجتمع المعرفة، ومؤخراً أضحت المعرفة رأس مال، كما الذهب والفضة، وسوف تزداد أهمية مجتمع المعرفة في العقود المقبلة، حيث المعلومات سلعة المستقبل.
أحلى الكلام... النصر حليف المستعدين لملاقاة الغد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية والفلسفة طريق المعرفة والاستكشاف السعودية والفلسفة طريق المعرفة والاستكشاف



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates