بقلم - سليمان جودة
أصدر الكاتب الكبير محمد سلماوى روايته الجديدة «أوديب فى الطائرة» عن دار الكرمة، فكانت خامس عمل يصدر له عن الدار.. فمن قبل أصدرت الكرمة سيرته الذاتية فى جزءين، ثم روايتين مترجمتين عن الفرنسية إحداهما «الأمير الصغير»، والأخرى: مسيو إبراهيم وزهور القرآن.
ويعرف قراء الأدب أن أوديب أسطورة يونانية عاشت تلهم الكثير من الأدباء حول العالم بالكثير من الأفكار، وأن أول من استلهمها كان سوفوكليس، أشهر الذين كتبوا المسرح فى اليونان القديمة، وقد ألهمته الأسطورة مسرحيته الشهيرة: أوديب ملكا.
والأسطورة تقول إن أوديب هو ابن لايوس وإن أمه هى جوكاستا، وإن الآلهة تنبأت بأن الابن سيقتل أباه الذى أمر الأم بأن تتخلص منه، وأن قلبها لم يطاوعها فأعطتها لمن أخذه ووضعه فوق الجبل، وهناك عثر عليه رجل كان يرعى الأغنام فتولاه حتى كبر وصار رجلا.
يعود أوديب ذات يوم إلى مدينته طيبة، ويصادف على مدخلها رجلا مع بعض الحرس، فيتقاتلان حتى يقتله أوديب، ويعرف فيما بعد أن الرجل المقتول لم يكن سوى لايوس، وأن النبوءة التى جاءت من الآلهة تحققت تماما.
يأخذ الأستاذ محمد سلماوى هذه الأسطورة، ثم يوظفها فى روايته الجديدة، ويجعل أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١ هى الخلفية التى تدور فى إطارها وقائع الرواية فصلا بعد فصل.. ويمزج الكاتب الكبير بين الأسطورة هناك فى أرض اليونان قبل ميلاد المسيح، عليه السلام، بخمسة قرون، وبين الواقع هنا فى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين.
وعلى مدى فصول الرواية سوف ترى أن الكاتب برع فى تضفير العلاقة بين الأسطورة التى نسمع عنها ونقرأ تفاصيلها، وبين الواقع الذى عشناه فى بدايات العقد الثانى من هذا القرن، وهو يفعل ذلك بطريقة ماهرة، حتى تحتفظ الرواية برمزيتها مرة، وحتى لا تسقط فى المباشرة التى هى عدو لكل فن من فنون الأدب مرةً ثانية.
تبدأ الرواية بأوديب وهو جالس فى طائرة نقلته من بيته إلى السجن، وعلى طريقة الفلاش باك تمضى الفصول من بعد هذه البداية إلى أن نجد أنفسنا أمام المشهد نفسه فى الختام، ويظل أوديب يساوم فى النزول، فضلا عن الذهاب إلى السجن عقابا له على ما كان منه فى حق شعب طيبة.. ولكن.. ما إن يستجيب وينزل حتى يفارق الحياة.. وهذه إشارة إلى أن السلطة تتحول، فى الكثير من الأحيان، إلى حياة فى حد ذاتها، وبالمعنى البيولوجى لكلمة الحياة، وأن صاحب السلطة من هذا النوع يلتصق بها فلا يفارقها إلا ليفارق الحياة معها.