بقلم - سليمان جودة
من موسم حج إلى موسم آخر يظل أداء فريضة الحج أملًا يراود خيال كل مسلم، ولا فرق بين أن يكون المسلم قد أدى الفريضة من قبل مرات ومرات، أو أن يكون راغبًا فى أن يؤديها للمرة الأولى.. وقد عاش الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه يقول: مَنْ ذاق عرف.
كان الإمام على قد أطلق هذه العبارة فى العموم، ولم يكن يقصد شيئًا محددًا على وجه الخصوص، ولكن الغالب أن الحج يأتى فى مقدمة الأشياء التى قصدها الإمام ربما دون أن يقصد.. ولا شىء يفسر رغبة الذين حجوا فى أن يكرروا التجربة من جديد سوى أنهم ذاقوا حلاوة الحج، وأنهم لما ذاقوها عاشوا يرغبون باستمرار فى أن يذوقوها مرةً، ومرتين، وعشرًا، وأكثر.
وقد كنت أتصور أن هذه الرغبة فى تكرار مرات الحج بلا سقف وراءها رغبة أخرى فى غفران ذنوب السنة، ولكن عبارة الإمام على تجعلنا نتطلع إلى الموضوع من زاوية مختلفة، وتجعلنا نراه على أساس أن الذى حج للمرة الأولى قد عرف مذاق هذه الفريضة، وأنه لما ذاقها قد عرف حلاوتها، وأن حلاوتها تظل تُغريه من عام إلى عام.
ونحن نعرف أن الحج هو الركن الخامس فى الإسلام، ونعرف أنه الركن الأخير الذى لا يوجد بعده ركن آخر لأن الأركان الأربعة الأخرى تسبقه فى الترتيب، ومع ذلك، فهو الركن الأكثر استحواذًا على خيال كل مسلم على طول السنة.
هل لأنه الركن الوحيد الذى ينتقل فيه المسلم من مكانه إلى مكان آخر ليؤديه؟.. هذا وارد.. فالمسلم يستطيع من مكانه فى بلده أن يشهد بأن الله تعالى واحد، وأن رسوله إلى الناس هو محمد، عليه الصلاة والسلام، ويستطيع أن يُقيم الصلاة حيث يجلس، ويستطيع أن يؤدى زكاته من مكانه، كذلك فلا ينتقل بها من مكان إلى مكان، ويستطيع أن يصوم رمضان وهو فى بيته وبين أهله.. إلا الحج.. فلا بد من الانتقال إلى مكة المكرمة، ولا بد من مواضع فى مكة يذهب إليها الذى يؤدى الفريضة بدءًا من جبل عرفات، إلى المزدلفة، إلى منى، إلى الحرم المكى.. إلى غيرها.
والمواطن السعودى نفسه الذى يعيش فى بلد الحرمين لا بد أن ينتقل من أرضه حيث يسكن فى أنحاء المملكة إلى مكة حيث المشاعر مع بقية المسلمين.
هذا وجه من وجوه اختلاف هذا الركن الخامس عن الأركان الأربعة، وهذا هو الذى يصنع له مذاقًا لا يفارق صاحبه بامتداد السنة.