بقلم: سليمان جودة
مشهد الطواف حول الكعبة فى مكة المكرمة، أو السعى فيها بين الصفا والمروة، أقرب ما يكون إلى نظرية النهر الذى يصب فى البحر، فلا النهر يجف ولا البحر يمتلئ.
ولو كان المشهد يقتصر على موسم الحج وحده لكان هذا مفهومًا، لأن الذين يحجون فى هذه السنة مثلًا كانوا يقتربون من المليونين.. وفى كل سنة سابقة كان العدد يدور حول هذا الرقم، ولا بد أن رقمًا مليونيًا من هذا النوع كفيل بأن يجعل الطواف لا ينقطع والسعى لا يتوقف، على مدى ساعات الليل والنهار.
ولكن القضية ليست قضية حج فقط، وإنما هى قضية عُمرة بالأساس، لأن الحج له موسم محدد لا يخرج عنه زمنيًا، كما أن شعائره لا تكاد تتجاوز أيامًا معدودة فى مداها الزمنى.. والحجاج يطوفون ويسعون ثلاث مرات بالكاد: مرة عند القدوم من بلادهم إلى مكة المكرمة.. ومرة ثانية بعد الانتهاء من الوقوف بعرفات والذهاب إلى المزدلفة، وهذا طواف يسمى طواف الإفاضة.. ومرة ثالثة عند الانتهاء من الشعائر كلها، وهذا بدوره يسمى طواف الوداع.
طواف الحج بالتالى طواف محدود بأنواعه الثلاثة، رغم أنه يظل طوافًا مزدحمًا بحكم أعداده المليونية.. وما يقال عن هذا الطواف يقال عن السعى الذى يرتبط به ويرافقه.. ولكن طواف العُمرة يبدأ منذ اللحظة التى ينتهى فيها طواف الحج بأنواعه الثلاثة، ويبقى متصلًا ومتواصلًا إلى أن يدور العام دورته ويأتى عيد الأضحى فى السنة التالية.
وأنت لو راقبت الطواف فى حد ذاته، فسوف تدهشك هذه الاستمرارية فيه، وسوف تكاد تظن أن الذين ينتهون من أشواط الطواف السبعة يعودون للطواف من جديد وبلا توقف.. والذين يشاهدون القناة الفضائية السعودية التى تنقل المشهد حول الكعبة على الهواء مباشرةً يلاحظون ما أقوله، ويجدون أن الذين يطوفون هُم كالنهر، وأن الكعبة هى كالبحر.. فلا الذين يطوفون يتوقفون، ولا مكان الطواف يمتلئ، وإذا امتلأ فإنه لا يفيض.
وربما كان هذا هو الذى جعل الحكومة السعودية تنشئ طابقًا علويًا للطواف.. وإلا.. فأين تطوف الأعداد التى تتزايد كل سنة بحكم الزيادة الطبيعية فى أعداد المسلمين حول العالم؟.
هؤلاء الذين يطوفون لم يروا إبراهيم عليه السلام وهو يرفع القواعد من البيت الحرام، الذى شهد ويشهد وسوف يظل يشهد الطواف، ولم يشاهدوا السيدة هاجر وهى تسعى بين الصفا والمروة، ولكنهم يطوفون ويسعون عن إيمان وتسليم.. وهذا من عمل القلب لا العقل.