حتى ولو كانت أرض فولتير

حتى ولو كانت أرض فولتير

حتى ولو كانت أرض فولتير

 صوت الإمارات -

حتى ولو كانت أرض فولتير

بقلم: سليمان جودة

لا تعرف أيهما فكّر في الموضوع قبل الآخر؟ هل هو جابرييل آتال، رئيس وزراء فرنسا، أم رون دي سانتيس، حاكم ولاية فلوريدا الأميركية؟

ولكن ما نعرفه أن رئيس وزراء فرنسا، كان هو الأسبق في الإعلان عما يفكر فيه، وكان ذلك في الحادي عشر من الشهر الماضي، أما حاكم فلوريدا فإنه جاء تالياً في الأسبوع الأخير من الشهر نفسه، عندما أعلن أنه استخدم حق النقض ضد مشروع قانون وافق عليه المشرّعون في الولاية.

مشروع القانون لا يزال مشروعاً كما نفهم من اسمه، ولكنه إذا انتقل من خانة المشروع إلى مربع القانون الساري، فسوف يمنع الذين تقل أعمارهم من أبناء الولاية عن 16 سنة، من إنشاء حسابات خاصة لهم على ما صارت معروفة بيننا بأنها مواقع التواصل الاجتماعي، وأنا أقول ما صارت معروفة بكذا، لأنني أظن أنها إذا كانت قد بدأت مواقع تواصل، فهي لم تعد كذلك فيما نراه ونتابعه، وأصبحت أشد ما تكون حاجة إلى مراجعة سريعة، من حيث انطباق مُسماها أو اسمها على ما تقوم به بالفعل.

وهذا موضوع آخر يمتلئ بالكثير من التفاصيل، أما موضوعنا فهو اتجاه بلاد العم سام، أو ولاية فيها على الأقل، إلى تقييد الوجود على هذه المواقع، من خلال ربط الوجود بسن معينة لا يجوز لمن هو دونها أن يدخل على أي موقع منها.

وكان آتال قد أعلن في المقابل أن حكومته تفكر في مشروع قانون يمنع إنشاء حسابات على مواقع التواصل لمن هُم دون 13 سنة، وعند المقارنة بين ما تم في فلوريدا، وما أعلنه رئيس الوزراء الفرنسي، يتبين لنا أن حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون لا تزال تفكر، وأن الذين يشرّعون لأبناء فلوريدا قد انتقلوا من التفكير إلى الفعل فصوتوا على مشروع القانون، ومع ذلك، فلا يزال مشروع القانون مشروعاً، ويمكن أن يمر ويصبح قانوناً نافذاً، أو أن يتعطل في الطريق، لأن حاكم الولاية ليس المعارض الوحيد له، وإنما هناك معارضون من الذين يعيشون على أرض فلوريدا ويلتزمون بقوانينها، وهناك كذلك مؤيدون يتوافقون مع المشرعين فيما ذهبوا إليه.

المؤيدون يقولون إن مشروع القانون سيكون فرصة عند العمل به، لحماية الصغار من أمراض تصيبهم بسبب الوجود على مواقع التواصل، وفي المقدمة من الأمراض الاكتئاب، والقلق، والأمراض النفسية في العموم.

والمعارضون يقولون إن المنع من الوجود على مواقع التواصل الاجتماعي، يظل من بين مسؤوليات الأسرة تجاه أطفالها، لا من بين مسؤوليات الحكومة، وإن المنع في حد ذاته يصطدم بالتعديل الأول الذي دخل على الدستور الأميركي، والذي يتعلق بالحريات عموماً، وبحرية التعبير خصوصاً بالنسبة لكل مواطن أميركي.

ومما سوف يلاحظه كل متابع لهذه القضية، أن ما يتحدث عنه المعارضون في فلوريدا عن مسؤولية للأسرة أمر موجود فعلاً في فرنسا، لأن القانون فيها يمنع الذين تقع أعمارهم بين 13 و15 سنة من إنشاء حسابات على مواقع التواصل، إلا بموافقة الوالدين، ولذلك، فإن مثل هذا القانون سوف يخفف من الصعوبات التي يمكن لرئيس الحكومة أن يجدها في طريقه، وهو يفكر مع حكومته، ثم وهو يترجم ما يفكر فيه عملياً.

وفي الحالتين، الأميركية والفرنسية، سوف لا تكون مثل هذه الخطوة نابعة من فراغ، وسوف تكون في الغالب مستندة إلى دراسات جرت، واستطلاعات رأي قام بها متخصصون، وأبحاث نهض بها الذين يعملون في هذا الميدان.

وإذا كانت شركة «ميتا» على سبيل المثال، قد أعلنت اعتراضها على مشروع القانون في فلوريدا، فهذا متوقع لأن ملكيتها لمواقع عدة، في المقدمة منها موقع «فيسبوك»، تجعلها طرفاً مباشراً في الموضوع، بل وتجعلها طرفاً متضرراً بحكم ما يعود عليها من وراء مواقعها، ولكن اعتراضها لا أظن أنه سيوقف المشرعين الذين صوّتوا لصالح مشروع القانون، أو الذين يؤيدونهم فيما صوتوا عليه، لأن القضية هي قضية أطفال يتلقون مادة معينة لا تناسب أعمارهم، ويجب ألا يتعرضوا لها وهُم في السن الصغيرة التي يراها المشروع.

وسواء نجح جابرييل آتال فيما يفكر فيه أو لم ينجح، وسواء نجح المؤيدون لمشروع القانون الفلوريدي في تمريره أم لم ينجحوا، فما يجب أن يستوقفنا هنا في المنطقة العربية، أننا نحن الأحق بأن نفكر فيما يفكرون فيه، لأن مستوى التعليم عندهم يخلق من الوعي لدى الصغار ما يمكن أن يعصمهم مما يمكن أن يكون ضاراً على تلك المواقع، ولكن مستوى التعليم عندنا في المقابل، لا يخلق وعياً مماثلاً ولا يوفر الحماية المسبقة الواجبة.

إن مبدأ الحرية كان واحداً من مبادئ ثلاثة رفعتها الثورة الفرنسية في 1789، ولكن هذا لم يمنع رئيس الحكومة من أن يفكر فيما يفكر فيه، لأن القول بأن الحرية مطلقة لا يمثل الحقيقة في أي أرض، حتى ولو كانت هذه الأرض هي أرض الفيلسوف فولتير.

وما يقال في فرنسا على الشاطئ الشرقي للأطلنطي، يقال في فلوريدا على الشاطئ الغربي من المحيط نفسه، حتى ولو كان الموضوع يصطدم بأول تعديل دخل على دستور الآباء الستة المؤسسين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حتى ولو كانت أرض فولتير حتى ولو كانت أرض فولتير



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 06:02 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
 صوت الإمارات - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 19:45 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

محمد صلاح يؤكد سعادته بفوز فريقه على ساوثهامتون

GMT 12:49 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف 4 مقابر لأطفال في أسوان أحدهم مصاب بشكل خطير

GMT 19:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:34 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

أحدث إطلالات جيجي حديد في اول ظهور لها في نيويورك

GMT 20:55 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

4 وفيات اثر حادث تصادم على الطريق الصحراوي

GMT 15:33 2018 الأربعاء ,02 أيار / مايو

أنواع فيتامين "الأوميجا" تعمل على تغذية الجسم

GMT 14:42 2013 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

وحيد حامد في ضيافة خيري رمضان في برنامج "ممكن"

GMT 19:05 2014 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

3 تطبيقات مجانية لمراقبة أداء أجهزة "آيفون"

GMT 14:49 2013 السبت ,06 إبريل / نيسان

الإعلام يساهم في تغير المجتمعات نحو الأفضل

GMT 10:43 2013 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة : غسل اليدين يزيد الطالب تفوقاً

GMT 00:49 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أفضل عطر نسائي للمرأة العاملة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates