بقلم: سليمان جودة
عشنا نعرف أن «النسبة والتناسب» أقرب إلى علوم الرياضيات والهندسة منهما إلى العلوم الأخرى، ولكن ما نعيشه يُبدل ما عرفناه عنهما، ثم يقول لنا إنهما أصبحتا من أمور السياسة العجيبة التى نتابعها فى دنيانا كل يوم.
وإذا شئنا دليلًا حيًّا على ذلك، فأمامنا الضربات التى نفذتها القوات الأمريكية على أهداف فى غرب العراق وشرق سوريا، والتى جاءت انتقامًا لمقتل ثلاثة من الجنود الأمريكان وإصابة ٢٤، أثناء هجوم على قاعدة أمريكية على الحدود السورية الأردنية. وكانت إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن قد قالت إنها تجهز ردًّا سريعًا على مقتل وإصابة جنودها، وكان التوقع أن الرد سيكون على قدر ما وقع، ولكن الذى حدث أن الأمريكيين وجهوا عشرات الضربات إلى ٨٥ هدفًا قالوا إنها أهداف مرتبطة بإيران لأن الطائرة المُسيّرة التى قتلت وأصابت الجنود كانت إيرانية الصنع.
والمشكلة أن حكاية «النسبة والتناسب» مختلة تمامًا فى المعادلة بين الهجوم على الجنود الأمريكيين وبين الانتقام لهم لأن الذين سقطوا فى الضربات الأمريكية هُم أضعاف أضعاف، وليسوا مجرد ثلاثة فى مقابل ثلاثة، وكذلك على مستوى الجرحى والمصابين!.. فهل أرادت الإدارة الأمريكية أن تقول إنه لا نسبة ولا تناسب فى الموضوع، وإن جنديًّا إذا سقط من جنودهم، فإنهم سيقتلون عشرين أو ثلاثين فى المقابل؟.. هذا واضح طبعًا!، فلو أن كل ضربة قتلت شخصًا واحدًا، فهذا معناه أن عدد القتلى يقترب من المائة!.
ولماذا نذهب بعيدًا وأمامنا الهجوم الذى قامت به كتائب عزالدين القسام على المستوطنات الإسرائيلية التى تقع بجوار قطاع غزة؟.. فالهجوم الذى وقع فى ٧ أكتوبر قتل ١٢٠٠ من الإسرائيليين، بحسب رواية تل أبيب نفسها.
بعدها قامت القيامة على قطاع غزة، ولا تزال قائمة، وكانت كالضربات الأمريكية تريد أن تنتقم، ولكن الذى حدث أنها تجاوزت كل الحدود، حتى وصل عدد الذين سقطوا شهداء من أبناء القطاع إلى ٢٧ ألفًا فى آخر إحصاء لضحايا الانتقام الإسرائيلى!.. ليس هذا وفقط.. ولكن غالبية هذا الرقم من المدنيين الفلسطينيين عمومًا، ومن الأطفال والنساء على وجه الخصوص!.
لا نسبة ولا تناسب فى الرد الأمريكى، ولا نسبة ولا تناسب فيما قامت وتقوم به إسرائيل فى غزة منذ ٧ أكتوبر ولا تزال، ولكنه تجاوز فى الانتقام وفى كل شىء، وبما يُفرغ «النسبة والتناسب» من معناهما معًا!.