بقلم - سليمان جودة
أطلق المركز المسيحى الإسلامى للتفاهم والشراكة جائزة سنوية باسم الدكتور على السمان فى الحوار والتعاون بين الأديان.. وقال المطران منير حنا، مدير المركز، إن إطلاق الجائزة إحياء للقيم التى عاش الدكتور السمان يدعو إليها فى مجال حوار الأديان بالذات.
والحقيقة أن الرجل الذى رحل قبل ٧ سنوات قد انشغل فى الفترة الأخيرة من حياته بهذه القضية أكثر مما انشغل بأى قضية سواها، وكان لا يتوقف عن مدها بأسباب الحياة، وكان يسعده للغاية أن يلتقى أتباع الديانات السماوية على ما هو مشترك بينها، وأن يقفزوا فوق ما هو موضع خلاف أو محل اختلاف.. والحقيقة أن ما هو مشترك كثير ويكفى ليلتقوا عليه.
وقد عاش يعمل وأمام عينيه الآية الكريمة التى تقول: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ».. بل عاش يواصل العمل وشعاره الذى لا يغيب عنه، تلك الآية التى تقول: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ».
وإذا كان الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، قد وقّع وثيقة الأخوة الإنسانية فى أبوظبى يوم ٤ فبراير ٢٠١٩، وإذا كان بابا الڤاتيكان فرنسيس الأول قد جاء يوقّعها معه، فإن مشهد التوقيع الذى تابعه العالم فى حينه، كان فى جانب منه حصيلة عمل طويل قام به الدكتور السمان.
كان كذلك لأن الرجل سعى منذ وقت مبكر إلى توقيع اتفاقية بين الأزهر والڤاتيكان ونجح فى ذلك عام ١٩٩٨، ثم سعى بإخلاص على مستوى آخر فنجح فى توقيع اتفاقية أخرى بين الأزهر والكنيسة الأسقفية فى ٣٠ يناير ٢٠٠٢، وهو اليوم الذى اختاره المركز المسيحى الإسلامى ليجرى فيه توزيع الجائزة بدءًا من السنة المقبلة.
بدأ الدكتور السمان سعيه فى هذا السبيل مع الإمام الأكبر الراحل جاد الحق على جاد الحق، ثم من بعده مع الدكتور محمد سيد طنطاوى.. وقد شاء الله أن ياتى الإمام الطيب ليواصل الخطوات التى قطعها الحوار من قبل، وأن يضع توقيعه على الوثيقة فى العاصمة الإماراتية هو والبابا يدًا بيد، وأن يظل يسعى فى هذا الطريق بكل ما له من مكانة ومن مصداقية.
كان على السمان تلميذًا فى مدرسة ابتدائية فى طنطا، وكان زملاؤه وأصدقاؤه فيها كلهم تقريبًا من الأقباط، وكان قد عاش سنوات طويلة من عُمره فى باريس، التى تشتهر بأنها عاصمة النور، وما بين طنطا وباريس ترسخت فى أعماقه قيم التسامح والعيش المشترك، ولم يجد مناسبة لنقل هذه القيم إلى الآخرين إلا وسارع إلى ذلك بعزيمة وإصرار، ولأنه كان مخلصًا فى سعيه، فإن الله قد سخّر له من بعده مَنْ يواصلون العمل ويستكملون المسيرة.. فالعالم لا يبدو فى حاجة إلى شىء، بينما أوضاعه تتفجر بالنار فى كل مكان، قدر حاجته إلى أن يجعل قيمة الحوار غالبة على ما عداها.