بقلم: سمير عطا الله
كان برتراند راسل فيلسوف الإنسان في القرن العشرين. وقف ضد القسوة في الفاشية، وفي الشيوعية، ضد فرانكو، وضد ستالين، وضد التعصب من أي جهة جاء، لأنه سوف يؤدّي إلى انفجار البشرية. ولم تكن تخيفه الأقليات المتعصبة «لنزعات سخيفة» مثل طائفة «أميش» في أميركا، التي تعتبر استخدام الأزرار في الثياب خطيئة. فمثل هذا التعصب غير مؤذٍ، كذلك الذي مارسته الكنيسة من القرن الرابع إلى القرن السادس عشر.
ويعمي التعصب في وجوهه السطحية عن الأشياء الجوهرية في حياة ومصائر الشعوب. ويعطي راسل مثالاً على ذلك أن البيزنطيين في الأيام الأخيرة للإمبراطورية اعتبروا عدم استخدام الخبز المعجون بالخميرة في القداس أكثر أهمية من الاحتفاظ بالقسطنطينية من أجل المسيحية. وفي الحرب العالمية الأولى اعترض الأسكوتلنديون على زرع البطاطا يوم الأحد، واعتبروا ذلك سبب خسارتهم المعارك.
ويرى راسل أن الدعوات الفاشية واللاغية للآخر ترعرعت في بيئة الفقر والاضطراب والتفكك. هكذا ازدهرت النازية في ألمانيا مع هتلر، وهكذا نجح لينين في بسط الشيوعية، فيما كانت روسيا في أسوأ حالات التدهور الاجتماعي والاقتصادي.
يعيدنا هذا إلى انتصار الرأسمالية على الشيوعية بعد صراع طويل. ماذا كان العنصر الأساسي؟ كان في أن النظام الرأسمالي استطاع أن يصلح نفسه، فيما كانت الشيوعية تتعثر. حقق الغرب الضمان الصحي، والضمان الاجتماعي، والتأمين، والتقاعد، فيما كان كل ذلك مجرد شعارات في دول المنظومة الاشتراكية. عندما كان نيكيتا خروشوف يعد بالخبز المجاني بعد ثلاثين عاماً، كان الأميركي قادراً على شراء سيارته وثلاجته ومنزله بالتقسيط. عندما دمّر الكساد الولايات المتحدة، وراح ألوف المفلسين يرمون بأنفسهم من ناطحات السحاب، لم يَعِد روزفلت، الأميركيين، برمي الشيوعية في «مزبلة التاريخ»، بل وعد كلاً منهم بأن يجد دجاجة في ثلاجته.
الرأسمالية ليست أكثر رأفة بالإنسان، بل أكثر واقعية، وأكثر ديناميكية، وأكثر حرية. لقد فرض ماو تسي تونغ على الصينيين ثوباً موحداً من أجل المساواة بين الفقراء والأغنياء. في حين أن خياطاً إسبانياً عادياً صمم أزياء جميلة للبسطاء بأسعار رخيصة، وأصبح بين أغنى أثرياء العالم. السنيور زارا.