بقلم - سمير عطا الله
قال زميل عزيز إنه لم يعد له أي علاقة بالجريدة الإلكترونية التي يُصدرها سوى حق الملكيّة. كل شيء آخَر لا علاقة له بالصحافة التي تعلَّمها ومارسها طوال أربعين عاماً. ولذلك يكتفي بأن يقرأ صحيفته مثل أي قارئ، لأنه كلما تقدم بملاحظة إلى هيئة التحرير، أقنعوه، ليس فقط بأنه على خطأ، بل إنَّ أفكاره تعيق نمو الجريدة، وتعرقل محاولاتها للتوجه نحو الأجيال الطالعة.
وقال إنه اتخذ قراره أخيراً بالانسحاب عندما قام جدل جوهري بين الفريقين حول عناوين الأخبار وصياغتها. مثلاً: أول مبادئ الصحافة في الماضي كان يقضي أن يجيب عنوان الخبر عن الأسئلة الأساسية الخمسة الأولى: مَن ومتى وأين ولماذا وكيف.
مثلاً: سقوط حافلة على طريق بغداد ومقتل 7 أشخاص بسبب تجمع الجليد خلال الليل. أي إنك وضعت جميع العناصر المطلوبة في العنوان، بحيث يكتفي القارئ، إذا شاء، بما قرأ.
أليس كذلك؟ إطلاقاً ليس كذلك. ففي الصحافة الإلكترونية يُحسب حساب كبير لعدد النقاط التي ضغطت عليها، ولذلك يُترَك كل شيء غامضاً بحيث تضغط. أي إن المطلوب هي الإثارة وليست الإفادة، كما كان الأمر في المدرسة القديمة. وفي الصحافة الجديدة يقلّ، على نحوٍ واضحٍ، الاهتمام بصحة اللغة، الأكثر سوءاً هو عدم الاهتمام بالمصداقية ونشر كل ما يقع تحت يد المحرّر من دون التأكّد من مدى صحته، وبصرف النظر عمّن يؤذي أو يضر.
يقول الزميل إيّاه إنه لا تعميم في الصحافة الإلكترونية، كما لا تعميم في الصحافة الورقية من قبل. لكن حالة الفلتان والاستسهال التي رافقت نشوء الموجة الإلكترونية، انعكست حتّى على أخلاقيّات المهنة. وامتلأت بمفرداتٍ ودعواتٍ تلوّث أجواء المهنة.
ما زلت أنتمي طبعاً إلى المهنة التي تخلّى عنها الزميل العزيز، وسوف أبقى إلى ما شاء الله. لكنّ الخوف هو أن يعتاد الجيل الجديد، قارئاً أو كاتباً، أو مُتابعاً، على القواعد الجديدة، وأن يرى في شجوبها القاعدة المرجوّة.
المؤسف في الصحافة الجديدة أنها بلا نجوم. ليس هناك «طه حسين» تبحث عنه كلّ يومٍ أو كلّ أسبوع، ولا سمعنا عن «عقّاد» جديد، ولا عن «سعيد فريحة» آخر يلاحق ظرفه وسخريته. وإذا كانت عبارة «نجم» صحيحة، فإنّ معظم نجوم المهنة الحاليين جاءوا من فضائها السابق. عندما يتغيّر شيءٌ في حياتنا، يتغيّر كل شيء معه. يستغرق التغيير بعض الوقت لكنّه يبلغ حتميّته في نهاية المطاف. أما كيف؟ فلا ندري.