بقلم: سمير عطا الله
عندما أغارت إسرائيل في 5 يونيو (حزيران) 1967 على مصر وسوريا، بطائرات الميراج الفرنسية، اعتبر كثيرون ذلك نصراً للصناعة الفرنسية. الرئيس شارل ديغول رأى فيه خديعة لفرنسا، وفرض حظراً على بيع الأسلحة إلى تل أبيب.
كان موقف ديغول أهم تغيير في السياسة الفرنسية والأوروبية منذ موقفه بإنهاء الحرب الجزائرية العام 1962. في تلك الحرب، كان جاك شيراك ضابطاً برتبة ملازم ومنتمياً إلى الحزب الشيوعي، يتطوع لبيع صحيفته في شوارع باريس. انضم السياسي الشاب إلى الحزب الديغولي ليصبح أطول السياسيين أمداً في مواقع الدولة؛ رئيساً طوال 12 عاماً، نائباً ووزيراً ورئيساً للوزراء ورئيساً لبلدية باريس طوال 20 عاماً.
مثل ديغول، اعتمد شيراك سياسة مؤيدة للعرب. ساعد العراق في بناء مفاعلها النووي الذي دمرته إسرائيل. ورفض الانضمام إلى الولايات المتحدة في حرب جورج دبليو بوش على العراق، قائلاً عشية الحرب: «إنني أقول لأصدقائي الأميركيين؛ احذروا وتنبهوا. فكروا في الأمر جيداً قبل القيام بخطوة غير ضرورية، وقد تكون شديدة الخطورة؛ خصوصاً في الحرب على الإرهاب العالمي». وأطلق جملته الشهيرة بأن الحرب «سوف تفتح أبواب الجحيم».
أدّى موقفه إلى حالة نادرة في فرنسا، 90 في المائة من الشعب وقف خلفه، وهي نسبة لم تعرفها البلاد منذ أول إحصاء رسمي العام 1932. يا للقدر الغريب. مثل ديغول، كانت لشيراك ابنة تعاني من حالة نفسية. وفيما كان يخرج، بشخصيته المحببة لمصافحة الجموع، كان قلبه يعتصر على حال ابنة معذبة في نفسها.
أقرب مسافة رأيت فيها صاحب هذه الشخصية الكاريزمية كانت في الأمم المتحدة خلال مؤتمر صحافي ملأه بالشجاعة والأناقة والحبور والحديث عن بصّارة فرنسا الشهيرة «مدام سولييه». في السنوات الأخيرة، صار سهلاً على أي كان، أن يرى جاك شيراك في مقهاه المفضل في حي السان جرمان. وحيداً، تائه النظرات، يمارس الهواية الفرنسية الأولى؛ قراءة وجوه الناس، ومعه صديق دائم ورفيق عمره.
يتفرق الخلان في كل الأزمنة وكل الأمكنة. يتعب الأصدقاء ويبحثون عن أصدقاء جدد. وتتعب الذاكرة وتتعب الحياة. ويصبح مألوفاً أن ترى الرجل المعروف بـ«البولدوزر» وقد أصبح على عصاه. لا أحد يريد إزعاجه. وقليلون يعرفون من هو، في الأساس. كان له ألق وهالة وحضور. وبعدها كان على فرنسا أن تعتاد على نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند. ولعلها تعود الآن إلى المشاركة في صنع التاريخ. هذا ما يعد به إيمانويل ماكرون.