بقلم: سمير عطا الله
أتابع شكاوى اللاجئين السوريين في ألمانيا: الأكثرية تشكو العزلة. الألمان شعب جدّي وجاف. مؤدب؛ لكنه ناشف! ذكّرني ذلك بهجرتي يوم كنت شاباً. نقمت على الفرنسيين لأن فرنسا لم تكن كلها في استقبالي. وركاب المترو لا يعرفون كم أنا حزين وعندي لوعة. ولا هم يعرفون كم يدمّرني هذا العتم الرمادي ويذكرني بشمس الضحى في بيروت.
اللاجئون لا يعرفون أن كل ألماني لديه من الهموم بحيث لا يجد وقتاً لزيارة شقيقه. ويشكو اللاجئ من جدار اللغة، ولكن هذا ليس ذنب صاحب البلد. إن بعض الجماهيريات العظمى لدينا رفضت الحرف اللاتيني على أسماء الطرقات وأسماء الأدوية.
هناك جدران كثيرة بين البشر. أقساها الشعور بالغربة، وفوقها الشعور بهوان اللجوء والهجرة القسرية من الوطن. هل نصدق رجلاً يعيش في برلين مطمئناً، عندما يريد القول إنه يحنُّ إلى مدينته المدمرة؟ ربما. أحياناً المشاعر أعمق من المشاهد.
ولكن هذا المضيف اقتحمنا عليه بيته بمئات الآلاف، وفرضنا عليه أن يعثر لنا على منازل ومدارس، وأن يؤمن لنا ثلاث وجبات في اليوم، وأكثر اللاجئين يتذمرون من «نوعية» الطعام: لا دسم فيه ولا «يخاني». أنا أيضاً سوف أشعر أنني في سيبيريا إذا كانت المدينة لا تعرف يخنة البطاطا. ولكن للغريب أن يتقبل عادات الناس؛ لا أن يفرض عاداته عليهم.
منذ عهد بعيد، لم تشهد الدنمارك رجلاً يذبح شقيقته في الشارع. أو هرة أو نعجة أو ثوراً. وفي الدنماركيين عادة سيئة أخرى، أنهم يأكلون بصمت، ولا يرسلون أصواتاً فرحة مثلنا علامة التذوق. أنا في هذا الموسم أبحث عن ورق العريش ذي الطعم الحامض؛ لكي أتمتع بأكل التبولة بيدي. لم أسافر مرة إلى بلاد الدنمارك خوفاً من أن أحرم هذه المتعة.
أصعب شيء في الحياة العزلة، والمؤانسة أكرم الخصال؛ لكن الصداقات لا تقوم بين ساعة وأخرى: مركب لاجئين يصل فيجد في انتظاره قطاراً محملاً بالأصدقاء، وطنّاً من الفولية بالرز وكبة الكرز.
أبسط واجبات العالم أن يترفق باللاجئين والغرباء؛ لكن لأهل البلاد أيضاً حقوقهم. إنها أرضهم وتاريخهم وحياتهم. ويجب أن نعلمهم كيف يحبوننا.
منعت البندقية قبل أيام بيع الشاورما بسبب الروائح والجماليات. فليكن. هذه ليست قضيتنا. إنها حرب مع الشاورما.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع