بقلم: سمير عطا الله
عنوان لكتاب ممتع للصحافي السويسري الألماني رولف دوبيللي، أما عنوانه الفرعي فهو «من أجل حياة أكثر سعادة وهدوءاً وتعقلاً». يروي دوبيللي كيف ولد في بيت صحافي، وأدمن ملاحقة الأخبار في الصحف والإذاعة والتلفزيون. ومع ظهور الهواتف الجوالة، أضاف الوسيلة الجديدة إلى حياة في الأخبار.
وذات يوم اكتشف أنه يعيش حياة غير صحية على الإطلاق. جسداً وروحاً. إنه يتابع كميات من الأحداث التي توتره من دون أن يكون لها أي علاقة بحياته على الإطلاق: حرائق الأمازون، تهاوي سعر النحاس، الأعاصير في فلوريدا وديترويت، إضراب عمال المناجم في تشيلي، هبوط البورصة في الأرجنتين، ازدياد المجاعة في فنزويلا، صاروخ جديد في كوريا الشمالية، اجتماع مجلس الأمن، تصريح (آخر) للأمين العام للأمم المتحدة، مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني.
تأمّل هذه الاهتمامات وقرر أن يضرب رأسه بالحائط. لا أخبار بعد اليوم. لا في الجريدة ولا في الإذاعة ولا في التلفزيون. لن يسمح بعد الآن لمحرر في نيويورك، أو البرازيل، أن يفرض عليه ما يجب أن يعرف وبماذا عليه أن يهتم. ولتذهب غابات الأمازون إلى الجحيم، وحظ طيب لعمال المناجم في تشيلي وفي كل مكان في العالم، لكن قلقه عليهم سوف يضر بأعصابه من دون أن يفيدهم في شيء.
قرر إلغاء الخبر من حياته والاكتفاء بالمواضيع والدراسات والمطالعات والتحاليل المثقفة والذكية. أما إذا كان ذلك خبراً عالمياً شديد الأهمية، فباستطاعته أيضاً الانتظار. بعد ساعات قليلة سوف يصبح أقل أهمية ويحل مكانه خبر آخر.
برغم أنني بدأت عملي وتأسسي الصحافي في الأخبار الخارجية، وعشت سنوات عدة بين وكالات الأنباء، كان موقفي الشخصي هو موقف دوبيللي المتأخر. كنت أفضل أن أقرأ رسالة إخبارية عن مساندة بابلو نيرودا لحقوق عمال المناجم في بلاده، وليس بيان زعيم النقابات. وما زلت أذكر عن نهرو أنه رفض الابتسام طوال استقباله لوزير الثقافة الفرنسي أندريه مالرو، وليس أنه استقبله. مرَّ في هذه المهنة مخبرون كثيرون حققوا سباقات صحافية كبرى، وأدّوا لصحفهم خدمات جلّى، لكن الخبر عاق. لقد نسيناهم جميعاً.
يقول دوبيللي إن الأخبار السريعة مثل الحلوى والوجبات السريعة. تلتهمها بسرعة وأنت في أي مكان. لكنها تؤدي في النهاية إلى إصابتك بالسكري والتشحم. لذلك من الأفضل أن تنظم أنت ما تريد أن تعرف.
ليس مهماً لك أن تعرف أن رجلاً من تكساس تناول 5 كلغ من اللحم في يوم واحد، ولا طرد الرئيس التنفيذي في مصرف «جي بي مورغان». ولا لائحة المرشحين لجائزة نوبل. ما أفعله كل عام هو انتظار الإعلان عن الفائز أو الفائزة، ثم أنصرف إلى قراءة كل ما أستطيع منه. لقد وفرت علي لجنة خاصة عناء البحث وتكفلت الاختيار.