بقلم: بدر الدين الإدريسي
في مأمنهم الصحي، يمضي اللاعبون سحابة يومهم في إعادة اكتشاف أنفسهم، فالحياة داخل المعازل مختلفة تماماً عن تلك التي اعتادوها قبل أن تأتي جائحة «كوفيد ـ19»، لتوصد أبواب الملاعب وتطفئ الأضواء عن مسارح العرض وتوقف الكرة عن الدوران.
ما يعيشه اللاعبون اليوم، حالة احتباس لمولدات الإبداع، بل وحالة تصحر لجداول كانت من قبل تتدفق عطاء وحركة، وإذا أضيف لذلك اتساع دوائر التوجس والخوف مما هو آت، أصبحنا بالفعل أمام وضعيات نفسية متأزمة تستدعي تدخلاً عاجلاً لطب المصاحبة النفسية.
عندما يسأل هؤلاء اللاعبون عن يومياتهم في مآمنهم، يغالبون أنفسهم للإبقاء على الطاقة الإيجابية الموجودة بداخلهم، فهم يتدربون في جحور صغيرة جدا، بعضهم انخرط بفضل ما تتيحه اليوم وسائط الاتصال، في تدريبات جماعية عن بُعد بهدف الإبقاء على الحميمية والروح الجماعية، حيث إن أكثر شيء ينسفه العزل الصحي هو ذاك التواصل الجسدي والروحي والفكري بين اللاعبين.
صحيح أن من ارتفع وعيه المهني، وارتقى فكره الاحترافي لمستويات عالية، يقبل على التدريبات الفردية أو الجماعية برغبة جامحة للانتصار على القهر النفسي وعلى سلبيات العزل، يفعل ما يستطيعه لكي يبقي ذهنه معلقاً بالتحديات التي تنتظره غدًا عندما تزول الجائحة وتعود الكرة إلى الدوران، إلا أن لهذا الحجر آثاراً نفسية سلبية وجب الانتباه إليها والتحرك فورًا للحد من اتساع جغرافيتها في تضاريس الذهن وتأثيرها السلبي على طاقة الإنتاج، فاللاعب مجرد اليوم من كل قدرة على إنتاج الفرجة وهي من مغذيات طاقة الإبداع عنده، وهو معزول تماماً عن محيط صاخب كان يعيش على إيقاعاته وهو أيضًا مطارد في كل لحظة بكثير من الأسئلة المولدة للقلق، لذلك وجب التحرك نحوه بالمرافقة النفسية التي تجنبه مزيداً من الصدمات النفسية وتغذي طاقته الإيجابية، وتخفف عنه حدة التوتر والخوف من المستقبل.
الأندية التي تدرك جيدًا قيمة التأهيل الذهني للاعبين، وتفكر بمنطق الوقاية قبل العلاج، ولا ترى في اللاعبين فقط رواتب يجب التفاوض من أجل تقليصها إلى الثلثين أو إلى الثلث، هي التي سارعت إلى ربط لاعبيها في معازلهم الصحية بمعدين ذهنيين يخرجونهم من نوبات القلق، ويدخلونهم بشكل إيجابي إلى أوعية نفسية جديدة عليهم بفضل عشرات التمارين الذهنية المبتكرة، وبفضل الخطاب الإيجابي الذي يخاطب الروح والعقل والوجدان.
صحيح أن قيمة الزمن العائلي ارتفعت عند اللاعبين لدرجات عالية، بل وأعادت اكتشافهم لمن هم حولهم، وشجعت أغلبهم على الدخول في حوارات ذاتية تفضي إلى ما يحتاجه المبدعون والخلاقون باستمرار، الجلوس مع الذوات لإنجاز النقد الكاشف للأخطاء، إلا أن اللاعبين يحتاجون لما يعوضهم عن همس وجنون الملاعب، وإلى ما يطفئ لديهم عطش التباري.