نظرة إلى حسابات فريقي «الشيعية السياسية» في لبنان

نظرة إلى حسابات فريقي «الشيعية السياسية» في لبنان

نظرة إلى حسابات فريقي «الشيعية السياسية» في لبنان

 صوت الإمارات -

نظرة إلى حسابات فريقي «الشيعية السياسية» في لبنان

إياد أبو شقرا
بقلم - إياد أبو شقرا

كان مؤلماً لمن يحب لبنان ويتمنى الخير له منظر التخريب والبلطجة في العاصمة بيروت خلال أسبوع تزاحمت فيه شعارات الثورة، وغضبة الجياع، وهواجس العقوبات الدولية، وعودة سلطة قاصرة ولا مسؤولة إلى ممارسة الكيدية والمحاصصة وتجاهل الواقع... في ظل سيطرة «قوى الأمر الواقع».
أمام هذا المشهد، لم يكن ما يحدث في سوريا غائباً تماماً عن بال لبنان ومعاناة اللبنانيين. فبالتوازي مع انهيار سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، تجدّدت المظاهرات المناهضة للنظام في مناطق سورية عدة تدفع منذ مدة ثمناً باهظاً للأزمة الاقتصادية والمعيشية... حتى قبل أن تبدأ آثار عقوبات «قانون قيصر» الأميركي بالظهور. ومن ثم، كان طبيعياً أن يُعزَل رئيس حكومة النظام عماد خميس، مع أن المسؤولية فيما آلت إليه الأمور أكبر بكثير منه.
وفي ظل سلطتين لبنانية وسورية تقف خلفهما - ولو جزئياً - مرجعية إقليمية واحدة، وتنشط فيهما معاً «مافيات» مالية وعسكرية منسجمة المصالح، سجّل خلال الأسبوع المنصرم ليس فقط السقوط السريع لعملتي البلدين، بل انكشف أيضاً واقع «تهريب» الطحين والمحروقات من لبنان إلى سوريا، وهذا على الرغم من تخوّف اللبنانيين من الجوع وشكواهم المزمنة من نقص الوقود.
ثم قبل ثلاثة أيام مورس ضغط مكشوف من «حكومة حزب الله» على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لإجباره على ضخ بعض مخزون المصرف من الدولارات. وللعلم، هذه الأموال أموال مودعين، وجرى ضخها في السوق المحلية بحجة إنقاذ سعر صرف الليرة اللبنانية، من دون ضمانات بأن هذه الدولارات لن تلحق بشحنات الطحين والوقود عبر الحدود إلى سوريا.
ما حصل، ببساطة، خلال يومين متتاليين في وسط بيروت كان الفارق بين الاستراتيجية والتكتيك. بين الجوهر والغطاء. بين وجود ثورة شعبية مطلبية ووجود قوى تسعى لركوب هذه الثورة بهدف إبعاد المطالب عن السبب الأبرز للمعاناة وتحويل الاستهداف السياسي والطائفي إلى مكان آخر.
لقد عاش اللبنانيون منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تهديدات مباشرة لأي جهة تحمّل سلاح «حزب الله»، كلياً أو جزئياً، مسؤولية محنة لبنان الاقتصادية، بينما اشتد استهداف المصارف والمؤسسات المالية والقوى السياسية التي أسهمت في إعادة بناء الاقتصاد اللبناني بعد الحرب (1975 – 1990).
وبالأمس، قبل ضخ الدولارات كانت الشعارات الطائفية للبلطجية الذين اقتحموا وسط بيروت صريحة بلا خجل ولا مواربة. ولكن خلال أقل من 24 ساعة، بعد تحقيق «انتصار المقاومة على المتآمرين لنزع سلاحها» ورضوخ حاكم مصرف لبنان، أطلّ البلطجيون أنفسهم بشعارات التآخي ضد اللصوص والجوع والحرمان.
قبل أوامر ضخ الدولارات، كان الهدف على الأرض التصدّي لمن يتكلم عن دور السلاح اللاشرعي في تدمير الاقتصاد اللبناني وضرب الاستثمار ونسف المؤسسات. ولكن بعده، وفي أعقاب «تطويق» سلامة بأربعة نواب للحاكم كلهم من خط السلطة، صارت الغاية العودة إلى اختطاف ثورة المطالب من أهلها الثوار الحقيقيين، وتصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين.
هذا «السيناريو» يستحق وقفة مع قوة تسمى «الثنائي الشيعي» تتكوّن من «حزب الله» وحركة «أمل»، يوفّر لها الغطاء المسيحي «التيار الوطني الحر» التابع لرئيس الجمهورية ميشال عون. لكن هذه ليست في أي حال من الأحوال الصورة كاملة. إذ إن «حزب الله» – التنظيم التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني – هو الطرف الأقوى... وبمراحل. أما «أمل» و«التيار» العوني فهما حليفان صغيران لتسهيل الأمور و«امتصاص الصدمات» وضرورات التواصل والعلاقات العامة لا أكثر.
وتالياً، إذا ما نحّينا «العونيين» جانباً لأن طبيعة علاقتهم بـ«حزب الله» تختلف نوعياً عن العلاقة بين الحركة والحزب، نرى أن منطلقي التنظيمين الشيعيين غير متطابقين.
وحتى مع تجنّب الخوض في التعريفات والتصنيفات، يمكن القول إن الحزب تنظيم «كوادر» ثيوقراطي - عسكري قراره بيد المرجعية الشيعية في إيران حصراً، في حين أن «أمل» حركة طائفية كالعديد من التنظيمات الطائفية اللبنانية. والقصد، أنها جماعة تنزع لأن يكون للشيعة حصة أكبر في لبنان، تماماً كما تنزع أحزاب طائفية أخرى إلى أن تكون لطوائفها حصص ترى أنها تستحقها.
ثم إن مفاهيم كـ«العرب» و«العروبة» و«لبنان» و«الوحدة الوطنية» غريبة عن الضمير السياسي للحزب واستراتيجيته. ولعل غياب «العروبة» و«لبنان» عن الضمير السياسي لمحازبي الحزب هو ما يسهّل عليهم القتال في دول عربية كسوريا واليمن والعراق، والسير بلا حرج في سلوكيات وصفقات إلغائية داخل لبنان تمسّ العيش المشترك وتهدّد الوحدة الوطنية.
في المقابل، فإن كثرة من حركيي «أمل» تُعدّ من البورجوازية غير المؤدلجة التي لا تأنف من هويتيها العربية واللبنانية، ولا تحمل بالضرورة مشروعاً إلغائياً للآخرين. ولذا تظل «أمل» - رغم أن طبيعتها الشعبوية الفضفاضة تتسع لجماعات غوغائية - تتمتع بصدقية سياسية معقولة عندما تحاور القوى اللبنانية الأخرى، ثم إن كتلتها البرلمانية تضم نواباً من السُّنة والمسيحيين والموحّدين الدروز.
أمام هذا المشهد، يمكن للبعض أن يقرأ في الاختلافات الصغيرة في الممارسة العملية لـ«حزب الله» و«أمل» أمراً طبيعياً لدى النظر إلى تركيبتيهما الفكرية والتنظيمية، إلا أن غيرهم يرون ضرورة التنبه لعوامل أخرى. من هذه العوامل، مثلاً، الحاجة إلى تبادل الأدوار، وتحديداً، «حالة الشرطي الطيب والشرطي السيئ»، لتحقيق أقصى قدر من المنفعة المشتركة في مجتمع منقسم كالمجتمع اللبناني. والحال، أنه بينما للحركة حلفاء وأصدقاء داخل الطوائف الأساسية في البلد، فإن للحزب حلفاء وأصدقاء منافسين لهم في طوائفهم نفسها.
من ناحية ثانية، ثمة شق العلاقات العربية والدولية. إذ رغم التفاهم الداخلي الواضح بين التنظيمين داخل لبنان، ما زالت «أمل» لاعباً سياسياً مقبولاً بالنسبة لقوى عربية ودولية عديدة، وهو ما لا ينطبق على الحزب الذي أدّى تماهيه الكامل مع سياسات طهران إلى تصنيفه «حركة إرهابية» على المستويين العربي والدولي.
أخيراً، عودة إلى الشأن السوري.
الكثير سيتوقف على ما ستحمله الأشهر الخمس المقبلة للمشهد السوري، ومستقبل تقاسم النفوذ في سوريا، ومصير حكمها، وتأثير العقوبات. ولعل ما سيحدث في سوريا، وبالذات، ما له صلة بالوجود العسكري الإيراني هناك، سيكون له تبعاته على لبنان، وحتماً على «الحالة الشيعية» فيه. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظرة إلى حسابات فريقي «الشيعية السياسية» في لبنان نظرة إلى حسابات فريقي «الشيعية السياسية» في لبنان



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 06:02 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
 صوت الإمارات - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 19:45 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

محمد صلاح يؤكد سعادته بفوز فريقه على ساوثهامتون

GMT 12:49 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف 4 مقابر لأطفال في أسوان أحدهم مصاب بشكل خطير

GMT 19:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:34 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

أحدث إطلالات جيجي حديد في اول ظهور لها في نيويورك

GMT 20:55 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

4 وفيات اثر حادث تصادم على الطريق الصحراوي

GMT 15:33 2018 الأربعاء ,02 أيار / مايو

أنواع فيتامين "الأوميجا" تعمل على تغذية الجسم

GMT 14:42 2013 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

وحيد حامد في ضيافة خيري رمضان في برنامج "ممكن"

GMT 19:05 2014 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

3 تطبيقات مجانية لمراقبة أداء أجهزة "آيفون"

GMT 14:49 2013 السبت ,06 إبريل / نيسان

الإعلام يساهم في تغير المجتمعات نحو الأفضل

GMT 10:43 2013 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة : غسل اليدين يزيد الطالب تفوقاً

GMT 00:49 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أفضل عطر نسائي للمرأة العاملة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates