باتجاه صفحة أميركية ـ عربية جديدة أساسها المصالح المشتركة

باتجاه صفحة أميركية ـ عربية جديدة أساسها المصالح المشتركة

باتجاه صفحة أميركية ـ عربية جديدة أساسها المصالح المشتركة

 صوت الإمارات -

باتجاه صفحة أميركية ـ عربية جديدة أساسها المصالح المشتركة

إياد أبو شقرا
بقلم - إياد أبو شقرا

العلاقات بين الدول لا تقوم على مسألتي المحبة والكراهية، بل على حسابات المصالح. وفي صميم المصالح العامة في السياسة الاستقرار. ومن ثم، بقدر ما كانت الأوضاع مستقرة في قوى عالمية وازنة ومؤثرة، يتيسّر محاورتها أو تنظيم الخلاف معها. وهذا المعطى ينسحب على المعادلات والنزاعات الإقليمية، والصراعات الداخلية.

في هذا السياق، لا شيء في السياسة أسوأ من الفوضى. وأعتقد، أن أي دولة في العالم، كائنة ما كانت توجهات حكومتها، تجد سهولة أكبر في التأقلم مع سياسات واضحة ولو كانت غير مثالية، مما يمكنها فعله إزاء فراغ أو ارتباك يستحيل أن يثمر توجّهات رصينة تتيح للحكومات المعنية بناء مقاربات ذات معنى.

من هنا، مهما كان موقف المراقب من الولايات المتحدة كقوة عظمى، وكدولة ومؤسسات سياسية، في مصلحة دول العالم أن تكون مستقرة. وأزعم، أنه رغم الانقسام السياسي الحاد الذي أكدته الانتخابات الأميركية الأخيرة، يوجد داخل الولايات المتحدة من آليات وقوانين وأنظمة وشبكات مصالح عليا... ما هو كفيل بلجم الجنوح الانقسامي الراهن.

وبالفعل، قبل الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات بادرت دول العالم، وبالذات الديمقراطيات الغربية الكبرى، على توجيه التهنئة للرئيس المنتخب، في إقرار منها بصحة الانتخابات من ناحية، وثقة منها في النظام السياسي الأميركي من ناحية ثانية. بل، حتى الصين، المنافس الأكبر اليوم للولايات المتحدة على المسرح الدولي فضّلت ألا تتريّث طويلاً قبل إرسال التهنئة. ومن ثم، ما كان لافتاً سوى تأخر التهنئة الروسية، وهنا «بيت القصيد».

لا حاجة إلى انتخابات 2016، والتهم التي وجهت إلى موسكو بالتدخل والقرصنة الإلكترونية التي استدعت إنشاء لجنة تحقيق خاصة (2017 – 2019) برئاسة المرجع القضائي روبرت موللر. وكما نعرف، خرجت اللجنة بتقرير مستفيض يعج بالتقنيات، وينتهي بخلاصة أنه تعذر الحصول على دليل قاطع على وجود تدخل روسي ممنهج ومتعمد أثر على نتيجة الانتخابات. أيضاً نعرف أنه منذ فترة دأب عدد من الساسة الديمقراطيين في واشنطن، وكذلك الساسة الأوروبيين، على اتهام القيادة الروسية بالسعي للتأثير في السياسات الداخلية الغربية، والعبث بانتخاباتها، ودعم جماعات هامشية قومية وانعزالية متشددة داخل الدول الغربية من أجل زرع الفوضى فيها عبر إثارة أفعال وردود أفعال من قوى التطرف يميناً ويساراً.

وحقاً، حقّقت موسكو انتصارات تكتيكية مهمة عالمياً رغم أزماتها الاقتصادية الحادة، مستفيدة من انكفاء منافسيها الغربيين وانشغالهم بمشاكلهم الداخلية. وفي رأس هذه المشاكل أزمات الهجرة والعنصرية والإرهاب، و«بريكست»، واختلال التعاون الأوروبي، وتحويل واشنطن «عداءها» الكلاسيكي بعيداً عن موسكو باتجاه الصين، وانتهاجها سياسة اقتصادية واستراتيجية حمائية انكفائية وتّرت علاقاتها الوثيقة عبر المحيط الأطلسي.

ثم جاءت جائحة «كوفيد - 19» لتعزّز منذ مطلع 2020 توجه واشنطن هذا، عندما أخذ الرئيس دونالد ترمب يصف الفيروس بـ«الفيروس الصيني» بحجة اكتشافه في مدينة ووهان الصينية وتستّر سلطات بكين عنه. ثم، استغل الرئيس الأميركي ارتباك «منظمة الصحة العالمية» إزاء سرعة تفشي الجائحة ليذهب أبعد في سياساته الانكفائية ضد مؤسسات الأمم المتحدة، بقطعه علاقات واشنطن مع «المنظمة بحجة تقصيرها وتواطؤها مع الصين».

هذا فيما يخصّ الحسابات الأميركية الروسية داخل الولايات المتحدة، وما إذا كانت موسكو قد تعمّدت بث الفوضى والاضطراب ضمن المجتمع الأميركي وضرب وحدته ومؤسساته السياسية. غير أن الشق الثاني من مصالح موسكو كان ولا يزال الاستفادة قدر الإمكان من انكفاء واشنطن أو تغيبها عن مناطق استراتيجية بعينها. ومن هذه المناطق، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

العرب، طبعاً، أخبر الناس بالطريقة التي تعاملت بها إدارة باراك أوباما الديمقراطية السابقة مع ملفات الشرق الأوسط. وهم يدركون تماماً، أنه لولا الطريقة الكارثية التي أدارت بها إدارة أوباما الملف الإيراني، لما وصلت المنطقة العربية إلى الوضع الفظيع التي هي فيه اليوم. وللتذكير، فإنَّ تلك الإدارة ارتكبت ثلاث مقاربات قاتلة قبل «الربيع العربي» في مطلع 2011، هي:

أولاً، الموافقة الضمنية، ثم العلنية، ومن ثم «الدافعة»، إلى إسقاط أنظمة موالية لها ومناوئة لما يُسمّى بقوى «الإسلام السياسي» من دون ضمان بديل تريد واشنطن حقاً التعايش معه. بل، إن «واشنطن أوباما»، نفسها، استغلت تجاوزات الشراذم المتطرفة الخارجة من عباءة «الإسلام السياسي» التقليدي كذريعة لتبرير تحالفها لاحقاً مع حكام إيران بحجة أن «إسلامهم ليس انتحارياً»!

ثانياً، حاولت إدارة أوباما، إبان انتفاضات «الربيع العربي»، تهميش أدوار أنظمة عربية موالية لها عندما أبقت مفاوضاتها النووية مع إيران طي الكتمان، حتى عن أقرب حلفائها العرب، مع أن الطموح التوسعي لطهران يعنيها ويهدد مصالح شعوبها.

ثالثاً، ركّزت إدارة أوباما في مفاوضاتها مع الإيرانيين على الشق التقني وحده للملف النووي، متجاهلة أبعاده الجيو سياسية. وهكذا، تحوّلت المفاوضات إلى «تفاهم» يسمح لطهران بتحقيق أهدافها السياسية الإقليمية بفضل «ترسانتها» التقليدية من دون الحاجة، في هذه المرحلة، لعرض عضلاتها النووية. ومنذ ذلك الحين صرنا نسمع تصريحات مستفزة ومتكررة من نوع «نحن نسيطر اليوم على 4 عواصم عربية».

هذه المقاربات رسمت المشهد المأساوي في سوريا، وعزّزت نفوذ إيران في لبنان واليمن وأجزاء واسعة من العراق. ولهذا وقف جزءٌ كبير من الرأي العام العربي مع دونالد ترمب عندما تولّى الحكم عام 2016، وبعضه لا يزال معه، لا سيما بعد انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران... وهذا رغم تماهي إدارة ترمب الكامل مع سياسات الليكود في إسرائيل.

الآن المشهد مختلف ويحتاج إلى معالجات حصيفة. لقد مرّت أربع سنوات على المنطقة العربية وتغيّر فيها الكثير، مع أن ثمة أسماء متداولة مرشحة لدخول إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن لا تحظى بالثقة عربياً، لكونها محسوبة على «لوبي طهران» منذ بعض الوقت.

في المقابل، فإن خطوط التواصل السياسي والدبلوماسي موجودة ولا بد من استثمارها، والتحاور مع قيادات ديمقراطية أقل دوغماتية من أوباما، وأكثر استعداداً لإدراك التداعيات الاستراتيجية الخطرة للرهان على نظام «ثيوقراطي – ميليشياوي» راعٍ للعنف الطائفي والعنف الطائفي المضاد.

الحوار مطلوب دائماً، بل في حالة واشنطن ضروري، وبالأخص، بعدما شاهدت مَن كان المستفيد من غيابها الإقليمي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

باتجاه صفحة أميركية ـ عربية جديدة أساسها المصالح المشتركة باتجاه صفحة أميركية ـ عربية جديدة أساسها المصالح المشتركة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates