المثقفون والإعلاميون وإمكانيات التأثير غرباً وعرباً

المثقفون والإعلاميون وإمكانيات التأثير غرباً وعرباً

المثقفون والإعلاميون وإمكانيات التأثير غرباً وعرباً

 صوت الإمارات -

المثقفون والإعلاميون وإمكانيات التأثير غرباً وعرباً

بقلم - رضوان السيد

تجددت في الأيام الأخيرة التذكيرات باستقالة الرئيس الأميركي نيكسون بسبب كشف صحافيين تحقيقيين لأمره بالتجسس على مؤتمر الحزب الديمقراطي، وقد صار ذلك يُعرف بفضيحة ووترغيت. وقد صار بوب وودورد شاهداً على إمكانيات تأثير الصحافة الجدية والتي يكون هدفها الالتزام بالقانون، وفي الحدود التي تسمح بها حرية التعبير المستخدَمة في صَون المصالح العامة. وبالطبع، فإنّ تأثير الإعلام المباشر أو غير المباشر، ليس المقصود به كشف الفضائح أو إظهار السياسيين بمظهرٍ سلبي. فهناك مئات الحالات التي ليست لها علاقة مباشرة بالشأن السياسي مثل التحقيقات حول البيئة أو التحقيقات حول اختراق وسائل الاتصال للخصوصيات أو تحقيقات وكشوف الفقر المدفع والجوع أو التحقيقات حول أوضاع اللاجئين في العالم. فاليوم في 21 - 6 - 2022 وبمناسبة اليوم العالمي للاجئين، سمعتُ تقريراً مؤداه أنّ اللاجئين السوريين بالداخل والخارج هم الأكثر عدداً بين اللاجئين في العالم من بلدٍ واحد! وفي حين استقبلت ألمانيا منهم أكثر من مليون؛ فإنّ الرئيس التركي - وبلاده تستقبل والحق يقال أكبر أعداده - ورئيس الوزراء اللبناني مهمومان بسرعة إعادتهم إلى وطنهم.
ونحن نتحدث بشكلٍ من الأشكال عن التأثيرات الإيجابية لإعلام الرأي والإعلام الاستطلاعي والتحقيقي. لكنّ التأثيرات يمكن أن تكون سلبية، وليس في حالاتٍ عامة فقط مثل الاعتداء على الخصوصية؛ بل وفي حالاتٍ خاصة أيضاً. والمثال على ذلك ما كشفته مرة أُخرى الجهات الاستطلاعية والتحقيقية، أنّ وسائل الإعلام الهندية الشعبية تمارس منذ مدة تحريضاً على المسلمين حافل بالأكاذيب. وهذا الحض على الكراهية يسهم في إثارة الجمهور أكثر مما هو مثار ويتسبب في اعتداءاتٍ ومظالم.
وهكذا، فإنّ إعلام الاستطلاع والتحقيق، وإعلام وسائل الاتصال المتنوعة، ومنها الجدي وغير الجدي تمارس تأثيراً كبيراً على الرأي العام بالجدية والدقة أحياناً، وبالإغراء والاغترار أحياناً أُخرى.
لكنّ مفكري الغرب الأوروبي والأميركي لا يزالون مؤثرين بالمعنى الكبير أيضاً. فليوشتراوس صنع في الستينات والسبعينات تياراً وصار رمزاً من رموز المحافظين الجدد. وهنتنغتون أثرت فكرته حول صِدام الحضارات في أوساط الجمهور وقبل ذلك في أصحاب القرار. وكتاب جون راولز: نظرية العدالة (1971) تسبب في صنع عهد جديدٍ في السياسات العامة. وقد كان بول ريكور (- 2005) فيلسوف التأويليات واستعادة الإيمان شديد التأثير (إلى جانب تشارلز تايلور) في لقاء الدين والعلمانية. ويقال، إن الرئيس ماكرون بين أسباب نجاحه السياسي أنه كان تلميذاً لبول ريكور (!).
كيف ينجح هؤلاء المثقفون في إيصال أطروحاتهم إلى الجمهور والإقناع بها؟ تأثير هؤلاء على الجمهور العام رغم ظهورهم في الإعلام ضئيل. لكنّ أوساط المثقفين والنخب السياسية وجماعات المجتمع المدني، هؤلاء جميعاً يتلقون هذه الأُطروحات وينشرونها عبر وسائل الاتصال، وفي المديات العامة. وصحيح أنّ هؤلاء كانوا أكثر تأثيراً أيام ثقافة الكتاب ومقالة الرأي واستطلاع الصحيفة؛ مثلما كان عليه الأمر مع مدرسة فرانكفورت خلال ثلاثين عاماً وأكثر بحيث قيل أنّ هربرت ماركوزه (= الإنسان ذو البعد الواحد) أحد أعلام هذه المدرسة كان نجم ثورة الطلاب عام 1968! إنما وسائل الاتصال حلّت محلّ أكثر الوسائط وآل الأمر في التأثير باستخدام وسائل الاتصال إلى النُخَب والأوساط التي تحدثنا عنها.
إنّ هذه المقدمات الطويلة أردتُ منها الوصول إلى التساؤل عن قدرات الإعلاميين والمثقفين العرب على التأثير في الأوضاع الحاضرة. وأقصد بالتأثير لفت انتباه الجمهور، ولفت انتباه أصحاب القرار.
عندما كنا نزور الجامعات والمنتديات فيما بين السبعينات والتسعينات من القرن الماضي، كنا نحس بانجذاب الطلاب إلى أطروحات كبار المثقفين. وقد اختفى هذا الأمر اليوم. وهناك إحصائيات عن إقبال الجمهور على قراءة الروايات؛ في حين تذهب الاستطلاعات إلى ضآلة أعداد القراء العرب بعامة. والسؤال ليس عن أعداد القراء أو أعداد المغرمين والمغرمات بوسائل الاتصال، بل عن تأثير المثقفين وأصحاب الأُطروحات في الرأي العام وفي السياسات العامة. وسيقول قائل: لكنّ القرار وسياساته العامة تحتاج إلى خبرات لا يملكها معظم المثقفين. وهذا صحيح إنما ما أقصده أن المثقف صاحب الوعي والمشروع تكون لديه أخلاق الرسالة وأخلاق المسؤولية، وبعدها يأتي دور الفنيين أو الخبراء الذين يمهدون السبل للرسالة والمسؤولية. وقد برز دور الخبراء في الولايات المتحدة من زمان، لكنهم ما حلُّوا أبداً محلّ المثقف صاحب الفكرة أو المشروع. وعند العرب بدت مخايل من ذلك في الخمسينات والستينات، ثم ظهر القادة الكاريزماتيون فلم يبق مكان للمفكرين ولا للخبراء. وفي تلك الفترة كانت أفكار المثقفين تنتشر بين الطلاب الجامعيين الذين كانوا بمثابة المعارضين. ثم اكتسح الصحويون وما عاد للإنتلجنسي دورٌ ولا مستقر! ماكس فيبر يفضّل الاحتراف من جانب الأستاذ ومن جانب السياسي. بيد أنّ الأستاذ ما عاد يؤثر في طلابه، وتحول السياسي إلى خبير فنّي عند القائد!
ولنصل إلى الإعلام. ما عاد لدينا غير صحافي الرأي. أما الصحافي المحترف في الاستطلاع والتحقيق فقد عزّ وجوده. وفي وسائل الاتصال المختلفة صرنا مستهلكين بإسراف. وقد تكاثرت قضايانا وتفاقمت. ومنها ما نتشارك فيه مع العالم، مثل المهجَّرين وفساد البيئة والفقر والجوع والاضطراب السياسي. ومنها ما نختص به لكنه لا يجد اهتماماً إلا عبر خاطرة في صحيفة أو فضائية أو موقع.
لماذا حصل ذلك؟ هناك من يقول عند الحديث عن ضآلة تأثير المفكرين، إنّ الجيل «الآيديولوجي» انتهى وما خَلَفَه جيلٌ آخر. وهناك من يقول، إنّ الثقافة المؤثرة تتطلب استقلالية لا يملك المتعلمون قدراتها ولا مسؤولياتها. وما يقال عن المثقفين يقال عن الإعلاميين. فقد يمتلك هؤلاء أو بعضهم الخبرة والمسؤولية إنما ليست هناك المؤسسات ذات القوام التي تستطيع حضانة منتسبيها ودعمهم في مهماتهم ومسؤولياتهم. وبذلك صار المثقفون والإعلاميون موظفين تواضعت مشروعاتهم وطموحاتهم!
الزميل السابق بجامعة شيكاغو Donner Fred وهو أستاذٌ للتاريخ الإسلامي؛ يقول إنه لا يستطيع الحكم على البيئات الإعلامية العربية، أما البيئات الأكاديمية العربية فهي في حالة تكونٍ جديد وبخاصة خارج العالم العربي. وقد بدأ تأثيرها وهو مختلفٌ في الوسائل والتداعيات عما عرفه جيل أساتذتنا وجيلنا!
لا أستطيع الحكم بعدُ على استنتاج دونّر. إنما الذي أُحسُّ به أنه ليست عندنا مقاربات بارزة مستنيرة ومؤثرة من جانب المثقفين والإعلاميين جادّة ومؤثرة لا في الثقافة والإعلام ولا في السياسات العامة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المثقفون والإعلاميون وإمكانيات التأثير غرباً وعرباً المثقفون والإعلاميون وإمكانيات التأثير غرباً وعرباً



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 06:02 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
 صوت الإمارات - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 14:45 2017 الأحد ,16 إبريل / نيسان

"الشيكولاتة المكيسكية" أبرز وصفات لويز باركر

GMT 09:19 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

اليابان تبتكر "موبايل" قابل للغسل

GMT 16:02 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

يوسف السركال" القطريون دبروا ما حدث في بانكوك"

GMT 08:27 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

نهيان بن مبارك يفتتح معرض "السوربون أبو ظبي"

GMT 17:09 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

تسريبات تكشّف تفاصيل عن مواصفات "سامسونغ غالاكسي S10"

GMT 14:25 2015 الأحد ,25 كانون الثاني / يناير

الشارقة الدولي للكتاب يشارك في معرض القاهرة

GMT 21:15 2015 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

توم فورد يقدم عطرًا مستوحى من ازدواجية إمرأة

GMT 07:09 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

كتابيه لـ عمرو موسى الأكثر مبيعًا في مهرجان الكويت

GMT 08:23 2013 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

مراسلو الإذاعة في ميادين مصر لرصد الاحتفالات الشعبية

GMT 14:28 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الوجبات الخفيفة تعزز طاقة الجسم وتحميه من الجوع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates