«الأخوّة الإنسانية» والإصلاح الديني

«الأخوّة الإنسانية» والإصلاح الديني

«الأخوّة الإنسانية» والإصلاح الديني

 صوت الإمارات -

«الأخوّة الإنسانية» والإصلاح الديني

رضوان السيد
بقلم : رضوان السيد

احتفلت اللجنة العليا للأخوة الإنسانية بمرور عامٍ على صدور الوثيقة في أبوظبي بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب. وكانت وقائع الاحتفال شديدة الدلالة على أمرين: العيش معاً، والعمل معاً على خير الإنسانية، وتصدياً لمشكلاتها. ولأننا نعيش إخوةً في عالم واحدٍ، يكون علينا أن نحافظ على الحياة، وأن نواجه بقوة كل ما يُهدِّدها، لأن ما يهدِّد الواحد أو الجهة أو المجال، يهددنا بالضرورة جميعاً. وقد عرض الاحتفال نماذج لتلك المهدِّدات، وكيف تقاومها جمعيات ومنظمات للخير والمعروف وصنع الجديد في أنحاء العالم: ومن الاتجار بالبشر، إلى الهجرة واللاجئين، إلى تعليم الأطفال الفقراء، إلى مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، إلى مواجهة الكراهية والازدراء باسم الدين أو الإثنية.
ميثاق الأخوّة تاريخيٌّ، لأنه الأعظم فيما جرى من تعاهُدٍ على سلام ومحبة وتعاوُن بين المسيحيين والمسلمين منذ ما قبل الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر الميلادي. وإلى ذلك، أو يقع في أصله وامتداداته، أنه تعاهُد على السلام والتعاون والتضامُن الإنساني، يطمح إلى أن يضمَّ البشر جميعاً باعتبارهم إخوةً في الإنسانية. 
لقد ركّزتُ في مقارباتي السابقة للوثيقة على أنها فرصةٌ لنا نحن المسلمين للانفتاح على العالم، فقد لقيتنا الكنيسة الكاثوليكية بصدور مفتوحة، وهي مستعدة للعمل معنا بمقتضى هذه الأخوّة لمواجهة الكراهية المتصاعدة ضدنا من جهة، وللتصالح مع العالم والعمل فيه ومعه من جهة أُخرى. 
إنّ التركيز على تغيير النظرة العالمية إلى إنساننا وديننا من خلال هذه الوثيقة، أمرٌ مفيدٌ جداً. أما الجانب الآخر فهو التغيير الذي حصل أو ينبغي أن يحصل عندنا لجهة الرؤية الدينية والأخلاقية في الإصلاح والتغيير. فلهذه الجهة، الواقع أنه في عقدي القرن الحادي والعشرين صدرت عدة وثائق وإعلانات وبيانات منفردة أو مشتركة تؤكّد أنّ المسلمين، واستناداً إلى قراءات أُخرى لنصوصهم، وإدراكات أُخرى لمصالحهم، يريدون إحداث تجديد وإصلاح في مفاهيمهم الدينية، وفي قراءاتهم لنصوصهم وفهمها وإحقاقها، وفي التعامل مع الآخر الديني، والآخر الإنساني. لقد حدث ذلك في رسالة عمان (2004)، والكلمة السواء (2007)، ومبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز لحوار الأديان والثقافات (2007)، وأوراق الأزهر (2011-2013)، وإلى الإعلانات المتكاثرة من سائر الجهات ضد التطرف والإرهاب (2014-2019)، فالإعلانات الثلاثة الكبرى: وثيقة الأخوة الإنسانية (2019)، ووثيقة مكة المكرمة (2019)، وحلف الفضول الجديد (2019).
ما أقصده أنه ينبغي النظر إلى هذه الإعلانات والبيانات والوثائق باعتبارها تفكيراً وأعمالاً في الإصلاح الديني الذي طال انتظاره. فالإصلاح الديني الداخلي شقّان: الشق الفقهي، والشق العقدي أو الرؤيوي. والعمل في الجانب الفقهي خلال القرن العشرين كبيرٌ وواسعٌ، وما يزال مستمراً، للتساوُق مع المتغيرات في الحياة اليومية للمسلمين. أما الجانب العقدي أو الرؤيوي فما يزال العمل فيه قاصراً وغير منتظم. لذلك شَبّهتُ الوضع الإسلامي الحالي بوضع الإنسان ذي الجسد الضخم والفارِه، والرأس المتضائل، ذلك أن الجانب العقدي، أو رؤية العالم، هو عقل الدين أو فلسفته. ونحن ما كتبنا بعد بما فيه الكفاية في علم الكلام الجديد، رغم أنّ العالم الهندي شبلي النعماني دعا لذلك في أواخر القرن التاسع عشر. والواقع أن البيانات المنفردة ضد التطرف والإرهاب، أو مع المواطنة والدولة الوطنية الدستورية، هي في الواقع رؤى ذات أبعاد اعتقادية. أما البيانات والإعلانات المشتركة مع الآخر، فهي بشائر بتغييرٍ رؤيوي وعقدي، يتضمن تعهداتٍ والتزامات أدناها التعارف الكامل مع الآخر، وتنحية عدة مبادئ اعتقادية سابقة عازلة أو آمرة وناهية. وهذا هو الإصلاح الديني الحقيقي الذي ينبغي وعيه والسير فيه، لا باعتباره فرصة وحسب، بل وباعتباره ضرورة للإصلاح والتغيير أيضاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الأخوّة الإنسانية» والإصلاح الديني «الأخوّة الإنسانية» والإصلاح الديني



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 06:02 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
 صوت الإمارات - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 14:45 2017 الأحد ,16 إبريل / نيسان

"الشيكولاتة المكيسكية" أبرز وصفات لويز باركر

GMT 09:19 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

اليابان تبتكر "موبايل" قابل للغسل

GMT 16:02 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

يوسف السركال" القطريون دبروا ما حدث في بانكوك"

GMT 08:27 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

نهيان بن مبارك يفتتح معرض "السوربون أبو ظبي"

GMT 17:09 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

تسريبات تكشّف تفاصيل عن مواصفات "سامسونغ غالاكسي S10"

GMT 14:25 2015 الأحد ,25 كانون الثاني / يناير

الشارقة الدولي للكتاب يشارك في معرض القاهرة

GMT 21:15 2015 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

توم فورد يقدم عطرًا مستوحى من ازدواجية إمرأة

GMT 07:09 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

كتابيه لـ عمرو موسى الأكثر مبيعًا في مهرجان الكويت

GMT 08:23 2013 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

مراسلو الإذاعة في ميادين مصر لرصد الاحتفالات الشعبية

GMT 14:28 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الوجبات الخفيفة تعزز طاقة الجسم وتحميه من الجوع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates