بقلم _ حمد الكعبي
الواضح، أن إيران لا تتعلم من التجارب والأزمات، ولا تزال تقرأ تحولات المشهد الدولي والإقليمي، كما لو أنها تعيش في تسعينات القرن الماضي، فكلما اندلعت أزمة استدعت مخزونها الإنشائي، ضد «الاستكبار الأميركي»، والدعاء على الولايات المتحدة بالموت والهلاك، وفِي الخفاء ممارسة أكثر أنواع «التقية» السياسية انكشافاً وسطحية.
أميركا تعزز حضورها العسكري في محيط إيران، ورئيسها يتحدث بأكثر اللهجات السياسية قوة وحزماً وتهديداً. ومع ذلك لا ترى طهران في قاذفات «بي 52» ولا في حاملة الطائرات «يو أس أس أبراهام لينكولن»، ولا في الظاهرة الترامبية التي تجتاح العالم، أكثر من «حرب نفسية» و«مناورة سياسية»، ولا تزال تراهن على موقفي روسيا وأوروبا في شأن تديره الولايات المتحدة، بنفوذها التاريخي الواسع في العالم، والآن برئيسها، القادر على خلط الأوراق كلها في الإقليم، لمجرد تغريدة على حسابه في «تويتر»، دون أن يأبه لما يقوله خصومه الديمقراطيون في الكونجرس، المنشغلون اليوم بالبحث عن منافس له في انتخابات 2020.
الرهانات الإيرانية تداعت عملياً في السنوات الأخيرة، فثمة حدود في السياسة الدولية وفِي تقاطع المصالح، لا تتجاوزها روسيا وأوروبا، وتفضلان إزاءها تجنب أية مواجهة اقتصادية أو سياسية مع الولايات المتحدة، فلديها رئيس لم يتردد عن مناوشة الصين، العملاق العالمي الجديد، فرفع قبل أشهر قليلة، الرسوم الجمركية على السلع الواردة منها، بنحو 200 مليار دولار، وهدد بالمزيد، وهو حين يحرك آلاف الطائرات والصواريخ والجنود إلى المنطقة، لا يفعل ذلك، لمجرد أن يظن الإعلام الإيراني أن الحشود «مناورة سياسية».
أما الرهان على الجبهة الداخلية الإيرانية، فيحتاج إلى صعوبة في الفهم، في بلد انهار اقتصاده وعملته، وارتفع الفقر ومنسوب البطالة في مجتمعه، بعدما وجهت السياسة الإيرانية كثيراً من الإنفاق والجهد على مغامراتها المذهبية في الشرق الأوسط، ولا تزال على الحلم الخمينيّ القديم بـ«تصدير الثورة» فكراً ومنهجاً وإدارة، وهو أمر تحول إلى كابوس للإيرانيين أنفسهم، فهم يريدون تصدير بضائعهم في الحد الأدنى، ويريدون إنشاء مدرسة أو مركز صحي بثمن الصواريخ المرسلة إلى الحوثي فقط.
وما عدا قطر، فلا أصدقاء لإيران على ضفاف الخليج العربي، فيما التقارير الأمنية تشير إلى تورط الخلايا الإرهابية التابعة لطهران في الهجوم على السفن التجارية قرب المياه الإقليمية للإمارات، وفي الاعتداء على محطتين لضخ النفط في السعودية، وفِي الثلاثين من هذا الشهر، سيلتقي قادة الدول العربية، لعقد قمتين، خليجية وعربية في مكة المكرمة، لمواجهة تهديدات إيران حيال إمدادات النفط العالمية.
كل ما يحدث في المنطقة بالغ الجدية والخطورة، سواء وجه ترامب ضربة عسكرية لإيران، أو اكتفى بلجم غرورها ضمن تسوية سياسية شديدة الوضوح والحسم، تُعيد «الملالي» إلى الواقع.. وإلى العام 2019!.