بقلم _ حمد الكعبي
لا جدوى من شرح الفرق بين التمثال والصنم، حينما يستمع إليك جاهل. ذلك يتطلب حديثاً في تاريخ الحضارات، وأهمية النحت وقيمته الجمالية والفنية. ومن العبث أن ترد على متطرف، يتحيّن الفرص، للإساءة إلى بلادك، ومشروعها التنويري الملهم، ولا تعنيه الثقافة والفنون والميراث الإنساني، إلا بقدر ما كانت تعني لإرهابيي «داعش»، عندما حملوا الفؤوس والمطارق في 2015، وحطموا تماثيل ومنحوتات، تعود إلى آلاف السنين في سوريا والعراق.
الحملة كانت مسعورة جداً في الأيام الماضية على مجسم لتمثال بوذا، عرضه متحف «اللوفر أبوظبي»، ضمن «معرض الطريق الفني» بين أبوظبي ودبي، من قبل «جزيرة الدوحة»، وفلول «الإخوان»، وأفراد من «آل ثاني»، ومعهم العوام والدهماء العاملون بالقطعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك على وقع هزائم قطر الأخيرة في ليبيا والسودان، واستغاثاتها بحلفائها في أنقرة وطهران.
«الجزيرة»، بما هي قناة متطرفة، وضعيفة مهنياً، لم يجد مطبخ التحرير فيها طبخة مثيرة سوى مجسم تمثال، ليعتبره «إعادة للأصنام إلى جزيرة العرب»، أما مصادر هذا «الفهم»، فهي «كتائب الإخوان الإلكترونية» على تويتر، وأسماؤها المصنوعة في حسابات الأمن القطري.
ولنا أن نتخيل مغزى التحريض في «تصنيم» الأعمال النحتية، وبالطبع، ليس مطلوباً من أكاذيب الدعاية أن تشير إلى ما يعرضه ويقتنيه «اللوفر أبوظبي» من أعمال كبار النحّاتين والرسامين عبر تاريخ الفنون، فهذا شأن يبعث على الغيظ، فأبوظبي ترفع رايات التسامح والتنوع والاعتدال، فيما تلوح الدوحة برايات «داعش» و«الإخوان» و«الحوثي»!
هذه تماثيل من التراث الإنساني المشترك، نعرضها في متاحفنا، وتجذب مزيداً من المثقفين والفنانين والسياح إلى بلادنا، ونفخر بأننا نُعيد المنتج الحضاري للأمم إلى جزيرة العرب، إلى جانب منجزات الفن العربي، وتعبر عن جوهر نهضتنا الشاملة في الإقليم، ومرتكزاتها التنموية والعلمية والثقافية.
أما الذين «أعادوا الأصنام إلى جزيرة العرب» حرفياً، فهم الذين نحتوا لكل متطرف صنماً، وأقاموا حوله دعوات التقديس والتبريك. الذين تمسّحوا بفتاوى يوسف القرضاوي، وغيره من شيوخ الفتنة والظلام بين الدوحة وإسطنبول. الذين عبدوا أصنام سيد قطب، وفتحوا لهم البيوت والمنابر للتحريض على الدم والخراب والفوضى في البيت الخليجي، وقبله في البيت العربي الكبير.
الأصنام في الدوحة وأنقرة، ويعبدها المجرمون والشذّاذ، أما التماثيل التي نحتها الفنانون في العالم، فهي لنا جميعاً. نتأمل فيها كيف شكّلت الأزاميل أبعاد الدهشة والجمال، وتلك لغة عصية على كل حاقد ومتطرف.