لا يزال هناك امل في تونس

لا يزال هناك امل في تونس

لا يزال هناك امل في تونس

 صوت الإمارات -

لا يزال هناك امل في تونس

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

عادت تونس الى الواجهة، من خلال موجة الاضطرابات التي تشهدها، في ذكرى مرور عشر سنوات على مغادرة زين العابدين بن علي البلد اثر "ثورة الياسمين". ليست معروفة الى اليوم الظروف التي تخلّى فيها بن علي عن السلطة وفضّل الذهاب الى المملكة العربية السعودية في الرابع عشر من كانون الثاني – يناير 2011. من تآمر عليه ومن لم يتآمر؟ كلّ ما يمكن قوله ان الرجل لم يكن دمويا. مات بهدوء في مدينة جدّة السعودية بعد تقدّمه في العمر. فضّل الانسحاب على مواجهة قسم كبير من الشعب التونسي أراد التغيير.

كلّ ما يمكن قوله أيضا انّ التاريخ انصف بن علي على الرغم من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها في السنوات العشر الأخيرة من عهده الطويل الذي بدأ في السابع من تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1987 حين ازاح مع شريكين له الحبيب بورقيبة الذي لعب دورا كبيرا في تحويل تونس الى بلد مؤسسات يمتلك قوانين عصرية، خصوصا في مجال حقوق المرأة.  

انصف التاريخ بن علي لسبب في غاية البساطة. يعود هذا السبب الى انّ وضع تونس، قبل عشر سنوات، كان افضل مما هو عليه الآن على كلّ صعيد. كان البلد في وضع افضل اقتصاديا واجتماعيا. نسي الناس العاديون الذين نزلوا الى الشارع في أواخر العام 2010 وبداية 2011 كل ما رافق عهد بن علي من تجاوزات في مجالات مختلفة. بات هناك من يمتلك شجاعة القول انّ الرئيس التونسي السابق ظلم.

مثله مثل بورقيبة، لم يحسن بن علي الانسحاب في الوقت المناسب. مثله مثل بورقيبة، وقع في مرحلة معيّنة ضحيّة نساء القصر. في مرحلة بورقيبة، كانت زوجته الثانية وسيلة بن عمّار الرجل القوي قبل ان تُبعد من قصر قرطاج وتحل مكانها ابنة اخت لبورقيبة تدعى سعيدة ساسي. وفي عهد بن علي، بدأت الامور تتدهور منذ زواجه من ليلى طرابلسي التي ما لبثت ان انجبت له ابنا. صارت عائلة ليلى طرابلسي الشريك الفعلي في السلطة والثروة. ما كان غائبا في عهد بورقيبة، صار حاضرا في عهد بن علي. حضر الفساد من الباب الواسع، باب عائلة ليلى طرابلسي التي لم تعد هناك حدود لطموحاتها. استطاع بن علي بناء نظام خاص به تميّز بفقدان الحريات نسبيا، لكنه استطاع أيضا توسيع الطبقة المتوسّطة التونسية وتحويلها الى العمود الفقري للاقتصاد والمجتمع.

فرح تونسيون كثر بخلع بورقيبة الذي تقدّم به العمر ولم يعد قادرا على ممارسة السلطة. فقد "المجاهد الأكبر" قدرته على السيطرة على البلد. جيء له بامرأة صبيّة تزوجها، علما انّه كان تجاوز الثمانين من العمر. هذا ما جعل صحافية في جريدة "لابرس" تقول لدى تولي بن علي الرئاسة: "تخلّصنا من ثلاثين عاما من الديكتاتورية، وكنا سعداء للغاية! أخبرنا أنفسنا أنّنا 'سوف نتولى مسؤولية صحيفتنا، لا مزيد من أخبار الرئيس في الصفحة الأولى، لا يوجد رئيس في الصفحة الأولى من الآن فصاعدا... كانت إثارة لا توصف، لعلع الكلام في أرجاء المكان، الكثير من الأمل، والكثير من البرامج، بالنّسبة لنا كنّا نعتقد أنّنا سنصبح صحافة حرّة أخيرا". لم يكن ذلك سوى أوهام واحلام ليلة صيف. صار بن علي بعد ايّام قليلة حاضرا في الصحف اكثر مما كان عليه بورقيبة.

اذا عدنا الى سنوات بورقيبة وبن علي، نكتشف ان الرجلين لعبا دورا كبيرا في بناء تونس الحديثة، لكنهما وقعا في الخطأ ذاته. لم يعدّ بورقيبة لانتقال سلمي للسلطة عن طريق الانتخابات الحرّة. اعتقد انّه سيعيش الى الابد. كذلك الامر بالنسبة الى بن علي الذي ظنّ ان احدهم من داخل العائلة، ربّما زوجته، سيخلفه في الرئاسة. هذا لا يمنع الاعتراف بان بورقيبة وبن علي استطاعا خدمة التونسيين ونشر ثقافة الانفتاح على كلّ صعيد.

تكمن مشكلة الذين تولّوا السلطة بعد بن علي في انّهم لا يعرفون شيئا لا في الاقتصاد ولا في السياسة. كان عليهم التعاطي مع الحزب الوحيد المنظّم في البلد. هذا الحزب هو "حزب النهضة" الذي على رأسه راشد الغنوشي، الذي لا بدّ من الاعتراف بانّه سياسي من الدرجة الأولى يتقن فن المناورة. الاهمّ من ذلك كلّه ان "حزب النهضة"، الذي هو امتداد للتنظيم الدولي للاخوان المسلمين على الرغم من نفيه ذلك، يهتمّ بالسلطة وكيفية ممارستها من جهة وفي تغيير طبيعة المجتمع التونسي من جهة أخرى.

ما يجمع بين "حزب النهضة" وخصومه هو غياب أي فهم لما يمكن ان يحسن الوضع الاقتصادي لتونس. لم يكن سرّا ان الاقتصاد التونسي ازدهر في عهد بن علي بفضل الصناعات التحويلية والسياحة والزراعة وقطاعات أخرى اقلّ شأنا. خلق هذا الاقتصاد فرص عمل للتونسيين وحدّ، الى حدّ ما، من الهجرة. ترافق ذلك مع نوع من الاستقرار والامن المستتب في ظلّ ديموقراطية شكليّة وفي غياب زعماء سياسيين يمكن ان يشكلوا أي تهديد لبن علي الذي لعب دور الشرطي الصارم قبل ايّ شيء آخر. لم يطق وجود أي شريك له في السلطة. لذلك استبعد منذ البداية الضابطين اللذين شاركا معه في التخلّص من عهد بورقيبة وهما الحبيب عمّار وعبدالحميد الشيخ.

هل تونس في طريقها الى ان تصبح دولة فاشلة على غرار ليبيا واليمن وسوريا؟ السؤال يفرض نفسه لولا وجود دفاعات تونسية يمكن ان تحول دون سقوط الدولة كما حصل في البلدان الثلاثة. تتمثل هذه الدفاعات في وجود ارث تونسي في أساسه مؤسسات الدولة التي رسّخها بورقيبة والتي سعى بن علي الى تطويرها ولكن ضمن مفهوم خاص به. لا يمكن تجاهل الاتحاد التونسي للشغل ولا دور المرأة التونسية المستعدة للدفاع عن مكاسبها الكبيرة... وبقايا طبقة متوسطة مضطرة الى الدفاع عن وضعها.

من هذا المنطلق، يبقى هناك امل في تفادي الانهيار التونسي حيث طبقة سياسية لا تعرف شيئا عن اهمّية الاقتصاد وحيث حزب إسلامي، لا يخفي مثل أي حزب آخر من هذا النوع، شبقا لا حدود له الى السلطة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا يزال هناك امل في تونس لا يزال هناك امل في تونس



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 04:59 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
 صوت الإمارات - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 19:17 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 06:17 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

افتتاح معرض رأس الخيمة للكتاب بمشاركة 76 دار نشر

GMT 02:43 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواعيد مباريات منتخب مصر في كأس العالم

GMT 08:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تخريج الدفعة الأولى من برنامج قيادة الأعمال الإنسانية

GMT 18:45 2015 الخميس ,22 كانون الثاني / يناير

معرض دبي العالمي للقوارب يعزز مكانته العالمية في 2015

GMT 21:44 2014 الأربعاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية تشارك في معرض برشلونة للكتاب في دورته الـ32

GMT 01:38 2014 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

جامعة كينياتا تمنح سيدة كينيا الأولى الدكتوراه الفخرية

GMT 07:50 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

14 منطقة حول العالم تشبه مدينة "البندقية" الإيطالية

GMT 11:42 2020 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

مواطن إماراتي ينجح في اصطياد 3 أسماك ضخمة أحدها طولة 3 أمتار

GMT 23:51 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

فوائد تناول الزعفران يوميًا يعالج امراض القلب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates