اميركا والانقسام العمودي المستمر

اميركا... والانقسام العمودي المستمر

اميركا... والانقسام العمودي المستمر

 صوت الإمارات -

اميركا والانقسام العمودي المستمر

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

انفجر الاميركيون في وجه الظلم الذي تعرّض له جورج فلويد، وهو رجل اسود في الـ46 من العمر لفظ أنفاسه بعدما اعتقلته دورية شرطة أميركية في مدينة مينيابولس كبرى مدن ولاية مينيسوتا. لفظ جورج فلويد أنفاسه تحت ضغط على رقبته من شرطي ابيض، بدا واضحا انّه ينضح عنصرية، رفض الاستجابة لتوسلاته المسجلة بالصوت والصورة متجاوزا كلّ الاعتبارات والمشاعر الانسانية.

ادّت الجريمة الموصوفة التي ارتكبها الشرطي الابيض الى موجة احتجاجات شملت كل المدن الكبيرة من لوس انجلس الى نيويورك مرورا بناشفيل وفيلادلفيا وبوسطن وميامي والعاصمة واشنطن دي.سي حيث طوق الناس البيت الابيض.

اعادت الاحتجاجات التي تخللتها اعمال عنف ونهب لمحلات كبيرة التذكير بالاجواء التي سادت اميركا مباشرة بعد اغتيال مارتن لوثر كينغ في العام 1968. ظهر جليّا ان اميركا لم تتخلّص بعد من العنصرية التي لا تزال حيّة في نفوس كثيرين من البيض. ما يدلّ على خطورة ما يحدث في الولايات المتحدة الاستعانة بالحرس الوطني الذي هو بمثابة قوات الدرك في كلّ ولاية من الولايات الأميركية. كذلك، وضع الجيش الأميركي في حال تأهّب كي يواجه الاضطرابات في حال تصاعدها اكثر.

تزداد خطورة الوضع الداخلي الأميركي الذي بات يهدّد الرئيس دونالد ترامب الساعي الى ولاية رئاسية ثانية بسبب عوامل عدّة. من بين هذه العوامل دخول الولايات المتحدة في حرب باردة مع الصين تذكّر بتلك التي استمرّت مع الاتحاد السوفياتي بين العامين 1945 و1989 لدى سقوط جدار برلين. عنى سقوط جدار برلين بين ما عناه تفكّك الاتحاد السوفياتي الذي كان القوّة العظمى الاخرى في العالم.

سيكون للحرب الباردة مع الصين طابعا مختلفا هو الطابع الاقتصادي في وقت بدأت مراكز دراسات جدية في الولايات المتّحدة نفسها ترجّح تحول الصين الى الاقتصاد الرقم واحد في العالم بحدود العام 2050، على ان تصبح الولايات المتحدة الرقم 2. المتوقع ان يكون حجم الاقتصاد الصيني في 2050 نحو 50 تريليون دولار تقريبا في مقابل 38 تريليون للاقتصاد الأميركي سنويا.

لا شكّ ان اميركا على علم بذلك وبان التحدي الصيني جدّي الى ابعد حدود. الحرب الباردة بدأت. ليس معروفا كيف ستنتهي، لكن الأكيد انّ امام الصين تحديات كبيرة ايضا، فيما لدى الولايات المتحدة تحدّيات من نوع آخر. تشمل هذه التحديات كونها دولة ديموقراطية ما زالت تعاني من العنصرية، فيما لا تزال الصين ديكتاتورية قادرة على لفلفة فضائح كبيرة مثل فضيحة وباء كورونا الذي انطلق من أراضيها، من مدينة يوهان تحديدا. إضافة الى ذلك، هناك هوة تكنولوجية ما زال على الصين ردمها. ليس سهلا ردم هذه الهوّة في وقت ستكشر اميركا عن انيابها في مواجهة التمدد الصيني في مختلف انحاء العالم، بما في ذلك أوروبا والشرق الأوسط وافريقيا.  

هناك عاملان آخران، إضافة الى الحرب الباردة مع الصين، يمكن ان يشكلا عقبة في وجه عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض. هذان العاملان هما ما يعتبره كثير من الاميركيين تقصيرا في معالجة انتشار وباء كورونا والازمة الاقتصادية التي تذكّر الاميركيين بثلاثينات القرن الماضي. ما يعطي فكرة عن حجم هذه الازمة ارقام البطالة التي باتت تقترب من نسبة العشرين في المئة من القوى العاملة. هناك 39 مليون أميركي فقدوا وظائفهم في تسعة أسابيع. هذه ارقام مرعبة لا تشبه سوى ارقام ارتبطت بالازمة الكبرى التي عصفت بالاقتصاد قبل تسعين سنة.

لعلّ السؤال الذي سيطرح نفسه في نهاية المطاف هل يخرج دونالد ترامب سالما معافى من الازمة التي تمر بها بلاده، التي لا تزال القوّة الاقتصادية الأكبر في العالم؟

من عادة الرئيس الأميركي الحالي إيجاد مخرج يعيده الى قمة النجاح. لم يكن هناك من يتصوّر انّه سيفوز في انتخابات 2016 على هيلاري كلينتون. استطاع قلب كلّ الموازين وحقّق انتصارا كبيرا على امرأة ذكيّة اقامت في البيت الأبيض ثماني سنوات واكتسبت خبرة طويلة عندما تسلّمت وزارة الخارجية لمدّة اربع سنوات في عهد باراك أوباما. اذا اخذنا في الاعتبار عدد الأصوات الشعبية، تفوقت هيلاري على ترامب الذي عرف كيف يجعل القانون الانتخابي الأميركي أداة طيعة في خدمة حملته الانتخابية.

ما يمكن ان يخدم ترامب ايضا ضعف منافسه الديموقراطي جو بايدن الذي لم يتمكن الى الآن اظهار انّه اهل ليكون رئيسا لاميركا. الرجل متردّد ولا يعرف التعاطي مع الازمات. كان بايدن نائبا للرئيس في عهد باراك أوباما. لكنّ باراك أوباما نفسه لم يستطع، على الرغم من انّه اسود القيام باي خطوة في اتجاه التخلّص من العنصرية. كان أوباما خيبة للاميركيين السود الذين وجدوا فيه شخصا مترددا، مثله مثل بايدن الذي لا يعرف ماذا يريد تماما.

لا شكّ ان الولايات المتحدة امام ايّام صعبة. لا شكّ ان هناك شكوكا في امكان عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض، لكنّ ما لا يمكن تجاهله ان ردود الفعل على قتل جورج فلويد بدم بارد ونداء الاستغاثة الذي اطلقه، وهو "دعني اتنفس" ستكون له تأثيراته على الناخب الأميركي. سيقبل السود باعداد كبيرة على صناديق الاقتراع وذلك كي يسقطوا ترامب. يمكن ان يقبل البيض باعداد اكبر اذا شعروا انّ امنهم وامانهم مهددان. في هذه الحال يمكن ان يستفيد ترامب الذي يعرف الضرب على الوتر الحساس لدى الأميركي الأبيض متى دعت الحاجة الى ذلك. الأكيد ان اميركا منقسمة على نفسها وان المجتمع الأميركي يعاني من مشاكل كثيرة. على رأس هذه المشاكل ذلك الانقسام العمودي بين السود والبيض، وهو انقسام عمره من عمر الحرب الاهلية التي استمرت بين 1861 و1865. لا تزال آثار هذه الحرب قائمة وحاضرة على الرغم من انّ باراك أوباما امضى ثماني سنوات كاملة في البيت الأبيض.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اميركا والانقسام العمودي المستمر اميركا والانقسام العمودي المستمر



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates