اردوغان والوهم والانتقام من مرحلة

اردوغان والوهم... والانتقام من مرحلة

اردوغان والوهم... والانتقام من مرحلة

 صوت الإمارات -

اردوغان والوهم والانتقام من مرحلة

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

أي موقع لتركيا في منطقة تتعرّض للتمزيق والتفتت؟ السؤال يطرح نفسه لسبب في غاية البساطة. يعود هذا السبب الى ان المنطقة تبدو مقبلة على تطورات كبيرة وخطيرة. من المتوقع ان تلد عن هذه التطورات والخضّات فراغات. تعدّ تركيا نفسها، مثلها مثل إسرائيل، لملء اكبر عدد ممكن من هذه الفراغات ابتداء من سوريا... وصولا الى ليبيا حيث خاضت ليبيا معركة طرابلس دفاعا عن الاخوان المسلمين والمجموعات الإرهابية بأشكالها المتنوّعة الموجودة في العاصمة والمناطق المحيطة بها.

تذكّر المرحلة الراهنة بمرحلة ما بعد انهيار الدولة العثمانية في عشرينات القرن الماضي مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في العام 1918. مهّدت تلك المرحلة، التي يبدو ان اردوغان يريد الانتقام منها، لعودة تركيا الى حدودها الراهنة في ظلّ النظام العلماني الذي انشأه الضابط كمال اتاتورك، وهو نظام سمح لتركيا بان تكون دولة طبيعية بعيدا عن الوهم الامبراطوري. جعل هذا الوهم من الدولة العثمانية الرجل المريض في المنطقة طوال سنوات وسنوات انتهت بتفتت تلك الدولة وفق خريطة جديدة للشرق الأوسط وضعت خطوطها العريضة في معاهدة سان ريمو للعام 1920.

في المؤتمر الذي انعقد في سان ريمو، وهي مدينة ساحلية إيطالية لا تبعد كثيرا عن الحدود الفرنسية وعن امارة موناكو، اضفت عصبة الأمم (المنظمة الدولية التي كانت قائمة قبل الأمم المتّحدة) الشرعية على اقتسام الشرق الأوسط بين بريطانيا وفرنسا، على حساب تركيا التي انتزع منها، بين ما انتزع منها، العراق وسوريا ولبنان وفلسطين.

من الواضح ان تركيا - رجب طيب اردوغان تريد ان تجد لنفسها موقعا مختلفا على خريطة الشرق الأوسط وتجاوز نتائج مؤتمر سان ريمو. تبدو تركيا مصرّة على ذلك في وقت لا وجود لقوّة عربية مستعدة لمواجهتها فعلا بطريقة مباشرة. الدليل على ذلك، ان تركيا لم تتردّد في ارسال أسلحة وحتّى قوات عسكرية ومئات المرتزقة السوريين من الشباب المغلوب على امره بغية منع الجيش الليبي من استعادة طرابلس من الاخوان المسلمين وميليشياتهم المختلفة.

ليس معروفا الى الآن هل تمتلك تركيا، في المدى الطويل، وسائل تسمح لها بمتابعة سياسة ذات طابع استعماري على الرغم من مواردها المحدودة وعلى الرغم من الدعم المالي القطري الذي لم يعد سرّا لدى احد.

ما لا بدّ من الاعتراف به انّ تركيا استطاعت تسجيل نقاط في سوريا، خصوصا في ظلّ الضعف الروسي والتراجع الإيراني الذي فرضته عوامل عدّة. من بين هذه العوامل الضربات الإسرائيلية لمواقع ايرانية والعقوبات الأميركية على "الجمهورية الإسلامية" ورفض الأكثرية الساحقة من الشعب السوري المشروع التوسّعي الإيراني بكلّ ما يتضمّنه من اثارة للغرائز المذهبية وتغييرات ديموغرافية على الأرض.

لم تجد روسيا في نهاية المطاف سوى التوصّل الى اتفاق مع تركيا في شأن الشمال السوري. يؤمن هذا الاتفاق لتركيا السيطرة على شريط يصل عمقه أحيانا ما يزيد على خمسة وثلاثين كيلومترا داخل الأراضي السورية. يمكن ان يكون لهذا الشريط منطق محدّد، خصوصا اذا كان سيوفّر منطقة آمنة للسوريين الذين هجّرهم النظام مع حلفائه الإيرانيين وميليشياتهم من ارضهم. ما ليس منطقيا لجوء تركيا الى اخذ سوريين للقتال في ليبيا خدمة للمشروع الاخواني مستغلّة حال البؤس التي غرق فيها الشباب السوري. في الواقع، ليس مفهوما ما الذي تريده تركيا في ليبيا. هل تريد تحويل طرابلس الى قاعدة تابعة لها تستغلها من اجل ابتزاز أوروبا عن طريق التهديد بارسال لاجئين افارقة موجودين في الأراضي الليبية اليها؟

سبق لتركيا ان حاولت ابتزاز أوروبا عن طريق اللاجئين السوريين. كانت النتيجة الوحيدة المساعدة في نشر مزيد من البؤس في صفوف السوريين الذين وجدوا ملجأ في تركيا بسبب نظام اتخذّ قرارا بشنّ حرب على شعبه. ما يتبيّن مع الوقت ان الحسابات التركية لا تمت بصلة من قريب او بعيد بتصرّفات دولة طبيعية تسعى الى ان تقدّم بالفعل نموذجا لنظام حديث متصالح مع الإسلام السياسي. كلّ ما في الامر ان ما تقوم تركيا يكشف ان هناك عقلية مريضة تتحكّم برجب طيّب اردوغان. اسم هذه العقلية هو الوهم. انّه وهم العودة الى الإمبراطورية العثمانية التي كانت تجنّد بالقوّة شبانا من العراق وسوريا ولبنان كي يقاتلوا الى جانب الجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918). كان جدّي لوالدي يروي لنا عندما كنّا صغارا كيف هرب من معسكر في السعديات، وهي بلدة ساحلية في قضاء الشوف اللبناني تقع بين بيروت وصيدا. هرب من المعسكر وسار مسافة طويلة في اتجاه بيروت بعدما كان العسكر العثماني اعتقله مع آخرين تمهيدا لارسالهم الى جبهات الحرب التي كانت تركيا متحالفة فيها مع المانيا...

يعيد التاريخ نفسه. يعيد نفسه في معظم الأحيان بشكل هزلي. قد يكون مفهوما انّ تركيا مهتمة بوجود طويل الأمد في سوريا نظرا الى ان مثل هذا الوجود متعلّق بامنها الوطني إضافة بالطبع الى وجود همّ كردي دائم لديها. ما ليس مفهوما ماذا تفعل في ليبيا وما الذي يمكن ان تجنيه من وجودها هناك في المدى الطويل. ليس مفهوما أيضا لماذا كلّ هذا الاهتمام بالصومال ولماذا زاد في الفترة الأخيرة الوجود التركي في اليمن عن طريق الاخوان المسلمين (التجمّع اليمني للاصلاح) الذين لديهم الحصّة الأكبر في ما يسمّى "الشرعية" اليمنية.

على الرغم من الاحداث الكبيرة المتوقعة في المنطقة، لن تستطيع تركيا لعب دور يفوق حجمها. يحتاج مثل هذا الدور الى إمكانات مالية كبيرة غير متوافرة في بلد يمتلك جيشا كبيرا لكنّ رئيسه لا يعرف ماذا يريد. لا يعرف ماذا يريد الّا اذا استثنينا امرين. ااوّلهما اجندة الاخوان المسلمين والآخر وهم العودة الى الإمبراطورية العثمانية. نعم، كات تركيا امبراطورية. كانت بالفعل في ليبيا. لكن الفارق يبقى كبيرا، في القرن الواحد والعشرين، بين الوهم في الواقع. الى متى سيبقى رجب طيّب اردوغان رئيسا يعيش في اسر هذا الوهم بينما تعاني تركيا من مشاكل داخلية كبيرة. تعاني تركيا من مشاكلها الداخلية الى درجة قد لا تمكنها من الاستفادة من الخضات الكبيرة التي يبدو الشرق الأوسط مقبلا عليها، خصوصا في حال إصرار ايران على برنامج صواريخها البعيدة المدى وعلى امتلاك السلاح النووي!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اردوغان والوهم والانتقام من مرحلة اردوغان والوهم والانتقام من مرحلة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates