طوارئ إسرائيلية في منطقة تتغيّر

"طوارئ" إسرائيلية... في منطقة تتغيّر

"طوارئ" إسرائيلية... في منطقة تتغيّر

 صوت الإمارات -

طوارئ إسرائيلية في منطقة تتغيّر

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

يصعب التكهن بالاسباب التي جعلت بنيامين نتانياهو ومنافسه السياسي بني غانتس يتفقان على تشكيل حكومة "طوارئ" في إسرائيل. هذا لا يمنع من ملاحظة انّ زعيم تكتل ليكود الذي سيبقى رئيسا للوزراء لمدة 18  شهرا، على ان يخلفه زعيم حزب ازرق وابيض لمدة 18 شهرا اخرى، يتفقان على استبعاد كلّي لاي تعاون او تنسيق مع عرب إسرائيل، أي فلسطينيي 1948 الذين لديهم 15 عضوا من اصل 120 في الكنيست الإسرائيلية.

اذا وضعنا جانبا ذلك العداء المكشوف للاقلّية العربية في إسرائيل، يبدو مستغربا موقف حزب ازرق وابيض، الذي يسمّى أيضا حزب الجنرالات، الذي كانت لديه علّة وجود واحدة هي التخلّص من "بيبي". سيبقى زعيم ليكود في موقع رئيس الوزراء، علما انّه يُفترض به المثول امام المحكمة قريبا بعد توجيه القضاء الإسرائيلي اتهامات عدّة له. هذه الاتهامات مرتبطة أساسا بسلوكه "الفاسد" الذي يشمل الحصول على رشاوى. ليس معروفا هل سيحاكم "بيبي" قريبا. المعروف انّه باق رئيسا للوزراء بفضل خصومه من الجنرالات. على رأس هؤلاء بني غانتس الذي سيكون وزيرا للدفاع في انتظار دوره على رأس الحكومة، وغابي اشكينازي الذي سيتولّي الخارجية.

معروف ان قادة حزب ازرق وابيض هم غانتس واشكينازي وموشي يعلون. انتمى الثلاثة الى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية حيث شغل كلّ منهم، في مرحلة معيّنة، موقع رئيس الأركان. لم يعد سرّا ان إسرائيل تتوقّع احداثا كبيرة في المنطقة. ستحاول استغلال هذه الاحداث قدر الإمكان، خصوصا في ظلّ الحاجة الملحّة لدى دونالد ترامب الى أصوات اليهود الاميركيين.

ستحاول إسرائيل قبل كلّ شيء وضع يدها على قسم كبير من الضفّة الغربية وعلى وادي الأردن وذلك قبل نهاية ولاية ترامب الساعي الى البقاء في البيت الأبيض لولاية ثانية بعد انتخابات تشرين الثاني – نوفمبر المقبل التي سيواجه فيها الديموقراطي جو بايدن الذي شغل موقع نائب الرئيس في عهد باراك أوباما (ولايتان رئاسيتان). هل ستسمح الولايات المتحدة بضم إسرائيل لقسم كبير من الضفّة الغربية إضافة الى وادي الأردن مع ما يشكله ذلك من احراج للملكة الأردنية الهاشمية؟ في ظلّ التفاهم التام بين ترامب و"بيبي"، يبدو كلّ شيء واردا بما في ذلك طي صفحة خيار الدولتين الذي يعني قيام دولة فلسطينية "قابلة للحياة" نهائيا.

لن تقتصر مهمّة حكومة "الطوارئ" الإسرائيلية على ضمّ قسم من الضفة الغربية التي تعاني أصلا من سياسة الاستيطان المستمرّة منذ سنوات عدة والتي اخذت بعدا جديدا مع تولي نتانياهو موقع رئيس الوزراء. لن تكتفي اسرائيل بخلق مشاكل واحراجات للاردن الذي تربطها به معاهدة سلام ذات بنود واضحة. هناك وضع إقليمي غير مسبوق في ظلّ تفتت سوريا. ستسعى إسرائيل الى تكريس ضمّها للجولان وجعل قضيّة الهضبة المحتلة قضيّة من الماضي. في النهاية انّ تقاسم سوريا يسير على قدم وساق. ما شهده الشمال السوري خير دليل على ذلك. ما يمكن ملاحظته في الأشهر الأخيرة تعزيز تركيا وجودها في مناطق حدودية معيّنة تشمل محيط ادلب على طول نحو 120 كيلومترا وفي عمق يصل الى 35 كيلومترا أحيانا، بما يضرب المشروع الكردي في سوريا نهائيا.

يحصل ذلك كلّه في ظلّ تفاهم واضح بين تركيا والروس والأميركيين الذين باتوا موافقين بدورهم على شريط تركي داخل الأراضي السورية. ما عجزت تركيا عن عمله بعد العام 2011، أي بعد اندلاع الثورة السورية، تفعله في 2020. هناك مزيد من التعزيزات العسكرية التركية داخل الأراضي السوريّة. لا تدخل تركيا بجيشها مكانا وتخليه. التجربة القبرصية واضحة. اجتاح الجيش التركي جزيرة قبرص صيف العام 1974. كانت لديه حجة قويّة تتمثل في حماية الاقليّة التركية في الجزيرة بعد الانقلاب الذي شنته مجموعة قبرصية يمينية بزعامة نيكولاس سيمبسون بدعم من الحكم العسكري الذي كان قائما في اليونان. تغيّر كلّ شيء في قبرص التي صارت عضوا في الاتحاد الاوروبي وتتمتع بنظام ديموقراطي حقيقي. ما لم يتغيّر هو الوجود العسكري التركي الذي تكرّس مع اعلان "جمهورية شمال قبرص التركية" التي لا تعترف بها سوى تركيا. تركيا في قبرص منذ 46 عاما. ليس ما يوحي بانها ستخرج منها قريبا. ثمّة منطقة في شمال سوريا مرشحة لان تصبح تحت الحكم التركي بمباركة أميركية وروسية في وقت يتراجع المشروع التوسّعي الايراني يوما بعد يوم في ضوء الصعوبات الداخلية الناجمة عن نظام فاشل على كلّ صعيد داخلي من جهة والعقوبات الاميركية من جهة أخرى.

قبل مئة عام بالتمام جرى تقسيم المنطقة بموجب اتفاق سان ريمو الذي باركته جمعية الامم، وهي المنظمة الدولية التي كانت قائمة قبل الامم المتحدة. ولد من رحم سان ريمو لبنان الكبير الذي عاش مئة سنة والذي ليس ما يبشّر بانه سيتجاوز هذه السنّ بسهولة من دون تغييرات جدّية تطرأ على طبيعة نظامه... وعلى دوره التقليدي في المنطقة وعلى نظامه الاقتصادي. نبّه تحقيق نشرته صحيفة "لو موند" قبل ايّام في مناسبة مئوية سان ريمو الى انّ هذا الاتفاق الذي جاء بعد انهيار الدولة العثمانية وانتهاء الحرب العالمية الاولى اهمّ بكثير من اتفاق سايكس – بيكو للعام 1916 نظرا الى انّه جعل فلسطين تحت الانتداب البريطاني، كذلك العراق، وسوريا ولبنان تحت الانتداب او الحكم المباشر الفرنسي بموافقة جمعية الامم التي كانت تمثّل وقتذاك الشرعية الدولية.

ليس قيام حكومة "الطوارئ" في إسرائيل حدثا عاديا، اذا اخذنا في الاعتبار كلّ هذه الاحداث التي تدور في الشرق الاوسط، في ظلّ انكفاء أميركي لا ترجمة له على ارض الواقع سوى الانحياز الكامل لإسرائيل...

لا يشبه هذا الانكفاء سوى ذلك الذي مارسه الرئيس الاميركي وودرو ولسن الذي كان يدعو بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى الى ترك شعوب المنطقة "تمارس حقّ مصيرها" وهو ما رفضه الفرنسيون والبريطانيون الذين كان طموحهم وراثة الدولة العثمانية في العراق وسوريا ولبنان. انتصرت وجهة النظر البريطانية والفرنسية. أي وجهة نظر ستنتصر في السنة 2020 بعدما أصبحت بريطانيا وفرنسا غائبتين، فيما لم يعد الروسي بدري ما الذي عليه عمله في سوريا او العراق وكيف التعامل مع ايران الذي يتبيّن يوما بعد يوم عمق الحلف القائم بينها وبين الصين. نعم الصين. هناك بكل بساطة حكومة "طوارئ" إسرائيلية في منطقة تتغيّر. يتغيّر فيها كلّ شيء، بما في ذلك حدود الدول!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طوارئ إسرائيلية في منطقة تتغيّر طوارئ إسرائيلية في منطقة تتغيّر



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates