بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
كثيرة هى القضايا العادلة التى لم يُنصف أصحابها فى عالم لا يعرف عدلاً إلا فيما قل أو ندر، رغم كل التطور الذى حدث فى القانون الدولى. لكن قضية فلسطين تظل حالة فريدة فى هذا المجال. إنها إحدى أكثر قضايا التحرر الوطنى وضوحاً من حيث عدالتها وأحقية شعبها فى الخلاص من استعمار استيطانى بشع، وهى فى الوقت نفسه، قضية التحرر الوطنى الوحيدة التى هُزمت فى عصر التحرر من الاستعمار بأشكاله المختلفة.
وتعود خصوصية هذه القضية أيضاً إلى الإسهام البارز لكثير من قادتها والمتحدثين باسمها فى إلحاق الهزيمة بها. لم ينجح هؤلاء فى أمر مثلما نجحوا فى إضعاف قضية فلسطين. برعوا فى الذهاب إلى الخيار الأسوأ، أو فى النكوص عن الخيار الأفضل إذا أقدموا عليه، كلما لاحت لهم فرصة اختيار.
لم يستوعب من أُطلق عليهم «أبوات» دروس تجاربهم المؤلمة فى إدارة الصراع مع إسرائيل، وفى اللعب على التناقضات العربية والإقليمية.
ومضى على دربهم شباب أساءوا إلى قضيتهم بطرق مختلفة آخرها حتى الآن الحملة التى شنها بعضهم ضد فيلم «القضية رقم 23» للمخرج اللبنانى زياد الدويرى، الذى فاز عنه الفنان الفلسطينى كامل الباشا بجائزة أفضل ممثل فى مهرجان البندقية السينمائى الأخير، ومنعوا عرضه فى مهرجان أيام سينمائية فى رام الله قبل أيام.
ارتكب هؤلاء الأبناء خطأ حين منعوا فيلماً أسهم فى رفع اسم فلسطين عندما حصل أحدهم على جائزة مهرجان البندقية، بسبب موقفهم ضد مخرجه اللبنانى زياد الدويرى الذى صور أجزاء من فيلمه السابق «الصدمة» فى إسرائيل, بدعوى عدم وجود مدينة فى المنطقة تشبه تل أبيب التى تدور بعض أحداثه فيها.
لهم الحق فى موقفهم الذى أشاركهم فيه، ولكن الموقف تجاه عمل ما ينبغى ألا ينسحب على عمل آخر لا مبرر لرفضه، فهذا التخليط جزء من أزمتنا العقلية، وإذا كان المخرج أخطأ عندما ذهب لتصوير فيلم «الصدمة» فى تل أبيب، فما ذنب فيلم «القضية رقم 23» الذى مُنع عرضه رغم أن حركة مقاطعة إسرائيل BDS أعلنت أنها لا تعتبره عملاً من أعمال التطبيع.
فما أشد بؤس قضية يمضى بعض أبنائها فى دروب التهلكة التى سبقهم إليها بعض «الأبوات» بطرق أخرى.