دُول ضمن الدُول

دُول ضمن الدُول

دُول ضمن الدُول

 صوت الإمارات -

دُول ضمن الدُول

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

تعقيباً على المقال المنشور في هذه المساحة من «الشرق الأوسط» الأربعاء الماضي، علّق قارئ في موقع إنترنتي، فقال إن قرار إنشاء حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» تم في دول الخليج العربي، وبمباركة منها، بقصد الاستيلاء على القرار الفلسطيني من التيار القومي. أتجنب ذكر الاسم، أو الموقع، لأن الشخص ذاته ليس المقصود، وإنما مناقشة مدى موضوعية ادعاء كهذا، خصوصاً أنه ليس يخص صاحب التعليق فحسب، وإنما يتردد في مزاعم وأدبيات آخرين. إنما، قبل الاستطراد في الرد على ما ورد في ذلك التعليق، ثمة ما يوجب استكمال جوانب تضمنها مقال الأسبوع الماضي، بشأن إخلال قيادة حركة «فتح» التاريخية بعهد «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية»، الذي أخذته على نفسها منذ تأسيسها، ثم انطلاق كفاحها المسلح. عند قراءة مشهد بدايات الخلل، سوف يلحظ المراقب كيف تحقق للحركة اكتساح سياسي عبر الشارع العربي عموماً، والأردني - الفلسطيني خصوصاً، مباشرة بعد انتصار معركة الكرامة (21-3-1968)، الذي أنجِز بفضل تصدي الجيش الأردني لوحدات إسرائيلية عبرت نهر الأردن، بهدف احتلال نقاط تمركز لها شرق النهر، واستطاع أن يردها على أعقابها، لكن وجود مقاتلي «فتح» في الخطوط الأمامية، واشتباكهم المباشر مع الإسرائيليين، في أول معركة تقع بعد هزيمة جيوش ثلاث دول عربية أمام إسرائيل في حرب 1967. ومن ثَمّ مشاركتهم في صنع ذلك الانتصار الساحق، مكّن الحركة من الحصول على عمق جماهيري غير مسبوق لأي تنظيم فلسطيني، وربما عربي بشكل عام.
المبالغة في الزهو بما تحقق من انتصار في معركة الكرامة، راح يفعل من الأفاعيل ما سوف يلحق الكثير من الضرر في العلاقة بين حركة «فتح»، القيادة والقواعد، وبين الأردن، الدولة والناس. باختصار، يمكن القول، إن شكلاً من أشكال قيام دولة فتحاوية ضمن الدولة الأردنية، بدأ يُلمس من قِبل المواطن العادي، قَبل الجالس في موقع المسؤولية. صحافياً، عشتُ صيف 1969 بعضاً من المواقف في عَمان، أدهشني كيف لها أن تحصل من جانب عناصر يُفترض أنها تعرف جيداً كم يتمنى الإسرائيليون خراب العلاقة، على الأرض، بين الثورة الفلسطينية والشعب الأردني، قبل إفسادها مع الحكم ذاته. حصل ذلك طوال أسبوع أمضيته في انتظار أن أقابل القيادي الكبير في «فتح» كمال عدوان، وهو يومذاك المسؤول الإعلامي للحركة، ولمّا تعذّر اللقاء، ولم أستطع الانتظار فترة أطول، أبديت الأسف إزاء تلك التجاوزات الحمقاء أمام مسؤول فتحاوي في جهاز التعبئة والتنظيم، فإذا به يصدمني قائلاً: «هؤلاء الشباب من شعبنا»، فأجبته غاضباً: كلا، ردك ليس مقبولاً، ومردود عليك. بعد عام، تقريباً، من تلك المعايشة (16-9-1070)، كانت شوارع الأردن تغرق في بحور دم فلسطيني - أردني فيما سمي «أيلول الأسود».
بعد مغادرة الأردن، وبدل أخذ العبرة، حصل استنساخ فلسطيني للمشهد الأردني على أرض لبنان، إنما هذه المرة بضغط من قوى لبنانية لديها ثارات عبر مراحل عدة من التاريخ مع غيرها من أطراف الكيان اللبناني، وجدت فرصتها في الوجود الفلسطيني المسلح بجنوب لبنان، والمُشرعن بموجب اتفاق القاهرة (1973)، كي تورط الفصائل الفلسطينية في صراعات زعماء الطوائف اللبنانية. المؤسف أن قيادات الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمها قيادة «فتح»، لم تتردد في الإقدام على التورط، وبلا قيد أو شرط، بدت هي عنوان زعامة الواقع العملي للحركة الوطنية على أرض لبنان، ولم يمض طويل وقت حتى أضحت ضاحية الفاكهاني بمثابة عاصمة دولة «بساط الريح» كما كان يسميها أبو عمار.
إذنْ، كما جرى في الأردن، بدأت تتشكل لقيادات الفصائل الفلسطينية دولة ضمن الدولة اللبنانية، وبدأ سوس الخراب ينخر علاقة الناس العاديين مع الفلسطينيين ككل، حتى أن أغلب أهل الجنوب اللبناني باتوا كارهين للوجود الفلسطيني المسلح على أرضهم، وسوف يقود هذا، لاحقاً، عام 1985، بعد خروج «فتح» وغيرها من بيروت، إلى ما سُمي «حرب المخيمات»، فهل للوقوع في هذه الأخطاء الفلسطينية علاقة بدول الخليج العربية؟ كلا، الواقع يقول إن الخليج، شعوباً وحكومات، لم يتدخل في الشأن الفلسطيني، قراراً أو ممارسة، على نحو ما ارتكبت الأنظمة العربية الثورية، خصوصاً في سوريا والعراق وليبيا، من خطايا مميتة، إذ أسهمت في تمزيق الجسم الفلسطيني شظايا، وأشعلت حروباً، وتورطت في اغتيال قيادات، لكن الخوض في بعض تفاصيل ذلك المسلسل المؤلم بحاجة لمقال آخر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دُول ضمن الدُول دُول ضمن الدُول



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 17:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:33 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 11:57 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 01:57 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

انشغالات متنوعة التي ستثمر لاحقًا دعمًا وانفراجًا

GMT 01:57 2015 السبت ,03 كانون الثاني / يناير

الفنانة مي كساب تصوّر مسلسل "مفروسة أوي"

GMT 01:19 2014 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

استعد لتسجيل أغاني قديمة وحديثة لألبومي الجديد

GMT 11:27 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

جرأة وروعة الألوان في تصميم وحدات سكنية عصرية

GMT 22:04 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

جزيرة مالطا درة متلألئة في البحر المتوسط

GMT 21:59 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

نشطاء على الفيس بوك يقيمون يومًا ترفيهيًا للأطفال الأيتام

GMT 09:20 2016 الأحد ,03 إبريل / نيسان

متفرقات الأحد

GMT 18:47 2013 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الصين تعرض تصدير 3200 ميغاواط من الكهرباء لباكستان

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة ترصد أهم خمسة أشياء تؤلم الرجل في علاقته مع شريكته

GMT 21:22 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل زيدان "في مهب الريح" للمرة الأولى

GMT 18:49 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

28 موديلا مختلفا لقصات الجيبات

GMT 04:49 2020 السبت ,18 إبريل / نيسان

تسريحات رفع ناعمة للشعر الطويل للعروس

GMT 03:10 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مي عمر تنضم لمسلسل محمد رمضان "البرنس" رمضان المقبل

GMT 02:53 2019 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

إطلاق مجموعة "لاكي موف"من دار "ميسيكا" باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates