عهد فتحاوي لم يصمد

عهد {فتحاوي} لم يصمد

عهد {فتحاوي} لم يصمد

 صوت الإمارات -

عهد فتحاوي لم يصمد

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

الأرجح أن أهم ما ميّز حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» عن غيرها من تنظيمات فلسطينية سبقتها، هو ما تضمنت أدبياتها السياسية -كما كانت تعبّر عنها نشرة «فلسطيننا»، التي سبق صدورها انطلاق العمل الفدائي المُسلّح (1-1-1965)- من توجه بدا، بالفعل، مختلفاً عن توجهات مختلف فصائل العمل الفلسطيني، المنطلق رداً على النكبة الأولى (15-5-1948). آنذاك، كان أبرز ما لفت أنظار الناشطين، فلسطينياً -كنتُ منهم- والمهتمين، عربياً، في تميّز «فتح»، هو تأكيد الفصيل الوليد، في إطار مبادئ الحركة، على مبدأ «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية». ذلك المبدأ عُدَّ، يومذاك، بمثابة عهد سياسي قطعته قيادة «فتح» التاريخية على نفسها، ومِن ثَمّ أوحى، بما يشبه إعلان طلاق بائن، مع أدبيات أحزاب وحركات فلسطينية أسبق زمناً، وأعتق تجربة، لكنها لم تكن تستطيع الأخذ بتعهد مماثل، لسبب بسيط خلاصته أنها في الأساس فروع تنظيمات غير فلسطينية المنشأ، ومن ثم فإن مبرر وجودها مرتبط بمدى انغماسها التام في شؤون الدول الموجودة فيها. هكذا كان حال الشيوعيين، وكذلك القوميين، سواء الحركيين منهم أو البعثيين، وأيضاً جماعة الإخوان في فلسطين، أما «فتح» فقد أتت بمنطق مختلف، وربطت القول المُغاير لأقوال غيرها بالعمل المسلح، فأطلّت بوجه الفدائي. لاحقاً، سوف يطفو سؤال على السطح: إلى أي مدى نجحت الحركة في الوفاء بوعد عدم التدخل في شؤون غيرها؟
اختصاراً لإجابة كُتبت في مضمونها مجلدات، واجتهد بشأنها باحثون كثر، يمكن القول إن جيل قيادات «فتح» المؤسس حاول قدر المُستطاع تطبيق العهد، من خلال الارتفاع بقضية فلسطين فوق مستوى الخلافات العربية. لكن الأمر لم يكن له أن يتم كما تمنى آباء الثورة الأولون. كانت ظروف الواقع العربي، وتعقيدات تقلباته، أقوى من تمنياتهم. أقول هذا واضعاً في الاعتبار، أولاً، أمانة الإنصاف الموضوعي، ومُحَيِّداً تقييم الموقف الذاتي جانباً. في مرحلة من بواكير شبابي، كنتُ شاهداً على ذلك. وقفتُ زمنذاك في المعسكر القومي المتخاصم سياسياً مع مواقف «فتح». وكما غيري من أنصار التيار القومي - الناصري، جادلتُ أن إطلاق نضال فلسطيني مسلح بلا تنسيق مع النظام العربي عموماً، وما كانت تُسمى «دُول الطوق»، خصوصاً، ثم «المواجهة» لاحقاً، هو محاولة توريط للنظم القومية في حرب ليست مستعدة لها كما يجب. تلك المجادلة كانت تعبّر عن ارتباط الحركات القومية بأنظمة الحكم المتحالفة معها سياسياً، والمنتسبة إليها عقائدياً. من جهتها، كانت القيادات الفتحاوية ترى أن ربط أي تقدم على طريق تحرير فلسطين بتحقيق أهداف الأنظمة الثورية، مثل قيام «وحدة عربية شاملة»، هو نوع من تضييع الوقت، بل فيه شبهة خذلان للشعب الفلسطيني ككل. بين كلا النهجين نشب صراع عقائدي، كان لا مفر سيوصل إلى أن تصبح حركة «فتح» طرفاً هي أيضاً في صراعات يشهدها مختلف الساحات العربية. ذلك بالضبط ما حصل، الأمر الذي يتصل بموضوع الأربعاء الماضي في هذه المساحة من «الشرق الأوسط»، بشأن مرور خمسة وأربعين عاماً على اندلاع الحرب الأهلية في لبنان.
بيد أن الإخلال الفتحاوي بمبدأ «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية»، حتى لو كان اضطراراً، بدأ في الأردن قبل لبنان. هناك كذلك، قُدِّر لي أن أشهد وأسمع عدداً من وقائع ما سوف ينتهي خريف سنة 1970 إلى مآسي «أيلول الأسود». صحيح أن التنظيمات المناهضة لحركة «فتح» سبقتها في الاستقواء على الحكم الأردني، وفتح المواجهة معه برفع شعارات تستفز من طراز «عَمان هانوي الثورة»، إنما كان الأجدر بقيادات حركة تقود تنظيماً كان الأكثر شعبية، والأكبر حجماً، ألا تنجرّ إلى هكذا فخ، لأن التاريخ سوف يسجل لاحقاً، أن العهد الفتحاوي بعدم التدخل في الشأن الداخلي، لم يصمد في الأردن، أولاً، ثم تواصل التخلي عنه، بشكل أسوأ، في لبنان. يتطلب الأمر الدخول في تفاصيل تؤلم أكثر، لكن المساحة لن تتيح ذلك، ربما الأسبوع المقبل. بالطبع، ثمة من قد يصيح، وهذا حق، ما خلاصته: هل هذا وقته؟ ألا يكفي الناس قلق صداع الانشغال بالصراع ضد فيروس «كورونا»؟ الرد، ببساطة، هو أن رياح فيروسات كثيرة عصفت بالوضع الفلسطيني، عبر مراحل عدة، وأدت في غير حالة إلى عِلل كثيرة، لعل وضعها تحت المجهر يفيد في اتقاء شر تكرارها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عهد فتحاوي لم يصمد عهد فتحاوي لم يصمد



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates