التسامح أساس التصالح

التسامح أساس التصالح

التسامح أساس التصالح

 صوت الإمارات -

التسامح أساس التصالح

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

خمسة وأربعون عاماً تمر اليوم على نهار خامس عشر أبريل (نيسان) للعام 1975، الذي يؤرخ لبدء انفجار حروب من أمسوا «إخوة» فأصبحوا «أعداء»، إذ نسوا، لحظة أضاعوا العقل، تاريخ بلد عُرِف بتسامح الطوائف، فطفق بعضُهم، مذّاك، يقتل بعضَهم، وكلاهما يزعم أنه إنسان، وإذا سفك الدماء يغيّب سحر جَمال لبنان، ليس فقط بما وهب له الخالق، من خضر الروابي إلى سفوح جبال تعانق ساحل البحر فيما يتمدد تحت الشمس على بساط الرمل الذهبي، بل الأسوأ أن بحور دم الحرب راحت تطفئ أنوار أجمل ما اتسم به اللبنانيون وبلدهم بين كل الجيران: نعيم حرية التوافق على حق الاختلاف، ومن ثَمّ إمكانية الاتفاق أن خلاف الرأي والتفكير، أو المذهب والاعتقاد، لن يفسد الحب، ولن يلغي الود بين الناس.
نعم، للتدقيق، هناك من يرى أن إشعال شرارة حرب لبنان بدأ في الواقع يوم الثالث عشر من الشهر ذاته، عندما فشلت محاولة استهدفت اغتيال الشيخ بيار الجميّل، الزعيم الماروني، ورئيس حزب «الكتائب»، إنما قُتل فيها مرافقاه جوزيف أبو عاصي، وميشال أنطوان الحسيني. رداً على محاولة الاغتيال تلك، وقع هجوم في عين الرمانة على حافلة كان أغلبُ ركابها فلسطينيين يوم 15 - 4 - 1975 وقُتل فيها سبعة وعشرون. من تلك الواقعة، اندلع سيل الدم بلا توقف حتى توقيع «اتفاق الطائف» يوم 30 - 9 - 1989 بجهد دؤوب من المملكة العربية السعودية. قد يبدو فيما سبق تبسيطاً يخل بما يجب من إسهاب الحديث عند تناول كوارث الحرب اللبنانية. نعم، بالتأكيد، لكن المقصد هنا ليس تحليل كيف اندلعت تلك الحرب المقيتة، ولا ما أدى إليه استمرارها، أو ما صار إليه لبنان بعد توقفها، بل القصد هو التأمل فيما يوصل إليه غياب التسامح، وتغييب روح التفاهم بين البشر، من استحالة التوصل إلى تصالح حقيقي، سواءً إذا تعلق الأمر بالعلائق بين الأفراد، أو العلاقات بين الدوّل.
أمن عجبٍ، إذن، أن تعيدني ذكرى حرب لبنان إلى كتاب تركي الدخيل «التسامح زينة الدنيا والدين»، الصادر عن دار «مدارك» للنشر؟ كلا، إنما بدءاً، يجب القول إن ما سوف يلي ليس عرضاً للكتاب، قدر ما هو استحضار قبسات من صفحات ما وضع المثقف السعودي الشاب، الذي كسبته دبلوماسية بلده، بتعيينه سفيراً للسعودية لدى الإمارات العربية المتحدة (29 - 12 - 2018)، ولم تخسره فضاءات الصحافة والإعلام، إذ يواصل مقدّم «إضاءات» على شاشة «العربية» بين 2004 و2014 الإطلالات الصحافية كلما سمح له الوقت. من «موجز لتاريخ التسامح عند العرب»، إلى «لماذا يكون الحوار وسيلة للتسامح؟» يأخذ تركي الدخيل قراء وقارئات مؤلفه في رحلة تغوص في الأعماق من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال للجنوب، بحثاً عن حاجة الإنسان كي يتسامح، سواء ضمن الواقع الخاص، أو في نطاق مجتمع قومه، أو في الإطار الأعم والأشمل، أي مع الآخر، ثقافة أو هوية.
لا يغفل تركي الدخيل الإشارة، بتفصيل، إلى تيارات اختار بعض من كبار رموزها مقاومة توجهات التسامح. ضمن هذا الإطار يعرض لمثالين هما جمال الدين الأفغاني، ولويس شيخو، الأديب اللغوي ورجل الدين اللبناني، فيتناول مواقفهما من خلال تبيان يوضح ما ذهب إليه كل منهما، لكنه لا يتردد في الرد عليهما، ثم ينتهي إلى القول إن الكتاب «يوفر مادة، مختصرة، متنوعة، تبيّن للقارئ العربي الكريم، منابع متنوعة للتسامح، بعضها يأتي من تراثه، والآخر من التجربة الإنسانية»، ويختم خاتمة كتابه القيّم بتوضيح مهم عن أمير الشعراء أحمد شوقي، إذ يذكِّر بحقيقة أن جدته «كانت في بداية حياتها مسيحية، ثم أسلمت، في رعاية الملوك الكبار، وصار شاعرنا يوفق في ذاكرته بين الدينين، ويؤمن بهويته، مختزلاً فيها المتغيرات، مدركاً أن الملتقى بينهما، هو رحابة الفضل والأخلاق والمُثل، وأن سماء المكرمات هي منتهى الأديان كلها».
حقاً، كما قال من قبل الشاعر مؤيد الدين أبو إسماعيل، المعروف بالطغرائي: «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل»، يمكن القول ما أظلم الحياة بلا تسامح بين الناس، أياً كانت الأعراق والأجناس، ثم إن أي تصالح حقيقي بين فِرق المتخاصمين، حول أي أمر، وفي أي واقع، لن يقوم بالفعل، ما لم يكن حجر أساس التصالح هو التسامح النابع من قلب مؤمن، بصدق، أن التعايش بين البشر هو الأصل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التسامح أساس التصالح التسامح أساس التصالح



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 17:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:33 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 11:57 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 01:57 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

انشغالات متنوعة التي ستثمر لاحقًا دعمًا وانفراجًا

GMT 01:57 2015 السبت ,03 كانون الثاني / يناير

الفنانة مي كساب تصوّر مسلسل "مفروسة أوي"

GMT 01:19 2014 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

استعد لتسجيل أغاني قديمة وحديثة لألبومي الجديد

GMT 11:27 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

جرأة وروعة الألوان في تصميم وحدات سكنية عصرية

GMT 22:04 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

جزيرة مالطا درة متلألئة في البحر المتوسط

GMT 21:59 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

نشطاء على الفيس بوك يقيمون يومًا ترفيهيًا للأطفال الأيتام

GMT 09:20 2016 الأحد ,03 إبريل / نيسان

متفرقات الأحد

GMT 18:47 2013 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الصين تعرض تصدير 3200 ميغاواط من الكهرباء لباكستان

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة ترصد أهم خمسة أشياء تؤلم الرجل في علاقته مع شريكته

GMT 21:22 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل زيدان "في مهب الريح" للمرة الأولى

GMT 18:49 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

28 موديلا مختلفا لقصات الجيبات

GMT 04:49 2020 السبت ,18 إبريل / نيسان

تسريحات رفع ناعمة للشعر الطويل للعروس

GMT 03:10 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مي عمر تنضم لمسلسل محمد رمضان "البرنس" رمضان المقبل

GMT 02:53 2019 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

إطلاق مجموعة "لاكي موف"من دار "ميسيكا" باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates