فيروس هلع في الرؤوس

فيروس هلع في الرؤوس

فيروس هلع في الرؤوس

 صوت الإمارات -

فيروس هلع في الرؤوس

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

أخائفٌ أنت أم مصاب بهلع؟ سألت جاراً لي، بعد ظهر أول من أمس، فأجاب، بلا تردد، أنه في البدء لم يشعر بخوف إطلاقاً، وإنما بقلق، لكن الخوف بدأ يتسرب ببطء مع كل نشرة أخبار تحمل أنباء تسارع انتشار الفيروس عالمياً، ثم طفق يتطور، منذ مساء الأحد الماضي، إلى إحساس بالفزع، خصوصاً بعدما صارح بوريس جونسون - الفرِح بقرب ولادة طفل له في مقر رئاسة الحكومة البريطانية - الناس باحتمال هبوب رياح «كورونا» على مختلف أنحاء المملكة المتحدة، ومن ثم ارتفاع عدد حالات الإصابة بالوباء بريطانياً. لحظة، هل استخدمت كلمة «وباء»؟ نعم. لكن هذا نوع من أخطاء التسرّع، التي يقع في شباكها كثيرون بلا تأكد من مستوى صدق ما يقولون، وأحياناً بلا أي توثيق لما يرددون على مسامع الآخرين، فإذا بهم يسهمون، ولو لم يقصدوا، في توسيع دائرة الهلع بين البشر، بكل ما يترتب عليها من انعكاسات سلبية في مجالات الحياة كافة.
واقع العالم المتأثر بالتقدم المذهل لثورة تكنولوجيا التواصل، يشير بوضوح إلى مقدار ما تسهم به وسائل إعلام هذا الزمان، في صنع الحدث حتى قبل أن يقع. دليل ذلك تسرّع متحدثين كُثر، بمختلف القارات، منذ بدأ الفيروس يظهر بعيداً عن مدينة ووهان في الصين، حيث بدأ، في استخدام وصف «EPIDEMIC»، بمعنى وباء، على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية، عبر مديرها العام، تيدروس أدحانوم غيبريسوس، أحجمت عن إعطاء الوضع هكذا توصيف، وأبعد مدى ذهب إليه السيد غيبريسوس، حتى يوم الخميس الماضي، هو قوله: «علينا أن نركز على الاحتواء، مع القيام بكل ما هو ممكن للاستعداد لوباء عالمي محتمل»، أي أن الرجل الذي يتحدث بما يعرف، لم يغامر بالجزم، بل ترك الباب مفتوحاً أمام الاحتمال الأسوأ.
بيد أن الأخطر من انتشار استسهال الوصف الخاطئ عبر وسائل إعلام يعمل فيها محترفون ذوو خبرات معتبرة، هو وجود منصات تواصل فرضت لنفسها صفة إعلامية، فصار اسمها «السوشيال ميديا»، كما تعلمون، وربما كثيرون بينكم مستخدمون لها، إما ضمن حدود المعقول، أو بإسراف منقطع النظير، لعله يؤثر سلباً في علاقات التواصل العائلي أحياناً. على مواقع تلك المنصات، أضحى عادياً أن يتم بث الزائف من الأخبار، فيصدّقها محدودو المعلومات، أو ضيقو الفهم، أو من تقع على عاتقهم مهمة ترويجها، مع إدراكهم كذبها، فتراهم يصدقونها هم أيضاً، أي أن حالهم يصير حال حكايات جحا، عندما كان يكذب الكذبة ثم تسوّل له النفس الأمّارة بالسوء أن يصدّقها، فيفعل.
إنما أسوأ الكوارث، بين ما تبث منصات تلك «السوشيال ميديا»، يتمثل في افتراء أناسٍ العِلم على الناس، وهم يعلمون أنهم يفتقرون إلى الحد الأدنى من المعرفة في كل ما يتصدون للفتوى به. عندما بدأ مسلسل هذا الافتراء بالاستخدام السياسي، لم يول كثيرون الأمر ما يستحق. وإذ اتسع النطاق فشمل الكذب باسم الدين، تصدى عدد من أفاضل العلماء، وبذلوا جهدهم المقدّر بقصد ردع المفترين والحيلولة دون انتشار تضليلهم. لكن الواقع يقول إن هكذا افتراء لم يزل يُمارس عبر تلك المواقع، وبالتالي يقع في شِباكه بسطاء كثيرون. ها هو ادعاء إمكانية تفسير لماذا يظهر فيروس محدد، وكيف انتشر، ومن يقف وراء تسارع تمدده، يُبث هو الآخر من خلال منصات «السوشيال ميديا» ذاتها، ويجد هكذا افتراء سخيف، بين جمهور تلك المنصات، من يأخذ بمثل تلك الادعاءات.
ليس القصد هنا هو التقليل من أهمية نشر الوعي إزاء خطورة انتشار فيروس «كورونا»، وبالتالي احتمال أن يتخذ، بالفعل، بين عشية وضحاها، وضع وباء عالمي. على العكس من ذلك، التنبيه مطلوب، وضروري، وفق مبدأ «درهم وقاية خير من قنطار علاج»، وفي هذا السياق، يمكن إدراج كل الإجراءات الرسمية التي اتخذتها حكومات عدة بقصد حماية مواطنيها من الإصابة بالفيروس. إنما ثمة فرق بين زرع فيروس الهلع، في الرؤوس، بلا سبب علمي يدعم وجود خطر بالفعل، وبين الترويج لمخاطر، أو نظريات، أو مؤامرات ليس لها أي وجود في الأصل.
يبقى القول إنه في ضوء إعلان بوريس جونسون أمس أن خُمس القوى العاملة في بريطانيا معرضة للإصابة بالفيروس، يجب القول إن الهلع مبرر ولا مفر منه.
والبشر محتاجون، كما يبدو، للتذكُّر، كل بضع سنين، أو بضعة عقود، أنهم متساوون عندما يتعلق الأمر بكوارث تضرب بني الإنسان، فلا تفرّق بين مشارق ومغارب، أو جنوب وشمال، أو غني وفقير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فيروس هلع في الرؤوس فيروس هلع في الرؤوس



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates