حقد بلا حدود

حقد بلا حدود

حقد بلا حدود

 صوت الإمارات -

حقد بلا حدود

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

أيُعقل أن تُلام ضحية، فيُقال، مثلاً، إن المجرم الجاني استُفِز فأقدم على ما فعل، لأن أفعال الضحية ذاتها، أو من تنتمي إليهم، جالية أو ثقافة، أخذت تتجاوز الأعراف المقبول بها؟ حسناً، أستعير عنوان زاوية «صدق أو لا تصدق»، التي اعتادت صحف ومجلات عدة تخصيصها لنشر عجائب الأخبار وغريبها، بهدف التذكير بأن هذا ما يحصل أحياناً، والأرجح أن بينكم مَن صادف حالة، أو حالات، من هذا القبيل، إما عبر الإعلام، وربما من خلال تجارب ذاتية، عندما يُوجه اللوم إلى الضحية قبل الجاني. بل الأسوأ أن يُعفى المجرم من المسؤولية، ويتم حصرها فيما يُزعم من «سوء تصرف» للضحية. حصل شيء كهذا عندما أقدم توبياس راثجين، المنتمي لليمين الألماني المتطرف، تحديداً للنازيين الجدد، مساء يوم الأربعاء الماضي، على جريمة قتل 9 أشخاص بإطلاق الرصاص عليهم داخل مقهى بمدينة هانو، قرب فرانكفورت، ثم إنه واصل الجرم فقتل والدته قبل أن ينتحر.
كيف؟ نهار اليوم التالي، لم أكد أصدق ما أسمع عبر إحدى الإذاعات المحلية، عندما تنطع أحد المشاركين في حلقة نقاش جمع بين الجريمة في المدينة الألمانية، وبين حادث طعن وقع في جامع المركز الإسلامي المعروف بحي «ريجنت بارك»، فزعم أن الجاليات الإسلامية في أوروبا عموماً، باتت تكثر من ظواهر حضورها في المدن الأوروبية على نحو يثير غضب الرافضين أصلاً للمهاجرين، خصوصاً الذين يزيد غضبهم أكثر إزاء تزايد مظاهر للمهاجرين تشير إلى هويتهم كمسلمين على وجه التحديد. المتحدث نفسه بدا غاضباً مما سماه الإصرار على إظهار معالم الهوية لدى أفراد مسلمين ومسلمات، مثل الأزياء بشكل عام، والحجاب بصفة خاصة، أو تفضيل تسميات للمحال التجارية، أو المطاعم، أو المقاهي، تحمل من المعاني، أو الرموز، ما يركز على الإسلام، كما في انتشار كلمة «حلال»، سواء باللغة العربية، أو اللاتينية، في كثير من أحياء المدن الأوروبية، وكذلك إعطاء اسم «شيشة» للمقهى، الذي قُتل فيه التسعة مهاجرين ذوي الأصل التركي بألمانيا.
يمكن، بكثير من البساطة، غض النظر عن ذلك الكلام، ومن ثَمّ عدّه نوعاً من الهراء. لكن الأصح هو مواجهة الواقع بدل إنكار وجوده الساطع على الأرض. ضمن هذا السياق، من الضروري وضع أمرين تحت المجهر. أولاً، أن النَفَس العنصري الوارد في مزاعم ذلك الذي يبرر جريمة قتل المهاجرين الأتراك بألمانيا، بأن المقهى يحمل اسم «شيشة»، هو نزوع قديم موجود في قاع أكثر من مجتمع أوروبي، منذ زمن بعيد، لكنه بدأ أخيراً يظهر إلى السطح، ثم راح يعبّر عن تيار يمكن القول، بكثير من الوضوح، إنه يتسع في الانتشار، يوماً بعد يوم، ويعبر الحدود بلا استئذان. ثانياً، يجب كذلك التنبّه إلى أن الإكثار من ظواهر تأكيد الهوية لدى الجاليات الإسلامية في أوروبا، أو أي مجتمعات تستضيفهم بأي مكان، سوف تترتب عليه انعكاسات، وبالتالي يجب ألا يثير العجب إذا وُظف هذا الأمر في تبرير مزاعم العداء العنصري للمسلمين تحديداً أكثر من غيرهم، مثلما حصل عندما فوجئ كثيرون، قبل أيام، حين طالب مسؤول كبير في إحدى شركات الطيران البريطانية بتشديد التدقيق في المطارات مع الأشخاص المسلمين على وجه الخصوص.
هل أن ما سبق يعطي الحق لأي محاجج يلوم الضحية قبل الجاني؟ كلا، على الإطلاق. ليس من منطق يبرر تحميل الضحية مسؤولية فعل المجرم، بدعوى الاستفزاز. حتى ضمن نظم المجتمعات وأعرافها، بمختلف الثقافات، وفي مشارق الأرض ومغاربها، مُستهجن ومرفوض أن يقال لِمن تتعرض لجريمة اغتصاب، مثلاً، إنها أسهمت بما ترتدي من أزياء فيما حصل لها. الحق أوضح من الاحتياج إلى أي توضيح. عندما رفض عقلاء العالم الإسلامي أجمعين الزعم المُحمِّل مناهج الدين مسؤولية أفعال الإرهاب ضد غير المسلمين، إنما كانوا يثبّتون حقيقة أن الإجرام ليس مرتبطاً بدين محدد ولا بحدود بعينها. دليل ذلك أن الإرهاب باسم دين الإسلام لم ينج من شروره مسلمون. كذلك الأمر بشأن الحقد العنصري. ليس ثمة ما يبرره، فهو عابر للحدود، مخترق للثقافات، ممزق للنسيج السلمي في كل المجتمعات، ولذا فإن التصدي له، ولكل ما يعزز وقفه عند حده، واجب إنساني حضاري، ومطلب ضروري، تقع مسؤوليتهما على كل من باستطاعته، وبوسعها، الإسهام ولو بأقل قدر، بأي نطاق، وفي كل المجالات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقد بلا حدود حقد بلا حدود



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة - صوت الإمارات
نجوى كرم النجمة اللبنانية وعضو لجنة تحكيم برنامج "Arabs Got Talent" في موسمه السابع؛ مع كل حلقة تعرض تشاركنا بصور لها من كواليس البرنامج، وتسلط الضوء باستمرار على إطلالاتها الجذابة التي خطفت بها الانتباه وقت التصوير، حيث تألقت نجوى كرم بإطلالات استثنائية جعلتها محل اهتمام الجمهور خلال البرنامج، وشاركتنا بأجمل صورها على انستجرام، فدعونا نأخذكم في جولة على أجمل الإطلالات التي ظهرت وسوف تظهر بها نجوى كرم في حلقات الموسم السابع من برنامج اكتشاف المواهب الشهير. الإطلالات الناعمة الخالية من التفاصيل المبالغ فيها؛ كانت خيار لافت للنجمة اللبنانية تزامنًا مع تحضيرها للبرنامج الشهير أو تصوير بعض الحلقات، فظهرت مؤخرًا بإطلالة باللون الأبيض جاءت مكونة من فستان طويل بتصميم كلاسيكي، جاء من الأعلى بأكمام طويلة وياقة عريضة ومفتوحة على ...المزيد

GMT 23:07 2014 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجمات مصريات يسترجعن رشاقتهن ويخسرن أوزانهن بحمية صارمة

GMT 08:02 2014 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

أمير منطقة نجران يفتتح معرض للصور التاريخية

GMT 12:03 2018 الإثنين ,21 أيار / مايو

ممارسة الرياضة خلال منتصف العمر تحمي القلب

GMT 18:59 2018 الخميس ,26 إبريل / نيسان

تعرف على أخطر الرحلات السياحية في العالم

GMT 06:43 2013 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الموسم الجديد من برنامج "تاراتاتا" على "روتانا مصريَّة"

GMT 13:46 2013 الجمعة ,09 آب / أغسطس

أزمة ثقة في الطاقة النووية في شمال آسيا

GMT 19:18 2016 الخميس ,04 شباط / فبراير

حلقة خاصة عن العلاقات الزوجية على الراديو 9090

GMT 12:16 2013 الجمعة ,12 تموز / يوليو

"الفلّاقة" يقرصنون موقع جريدة الصّريح

GMT 13:27 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

10 حيل فعالة لمساعدة طفلك على التركيز أثناء المذاكرة

GMT 01:08 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

برشلونة لا ينوي دفع أموالاً إضافية لـ "ليفربول" بسبب كوتينيو
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates