ليبيا اشتدي أزمة تنفرجي

ليبيا... اشتدي أزمة تنفرجي

ليبيا... اشتدي أزمة تنفرجي

 صوت الإمارات -

ليبيا اشتدي أزمة تنفرجي

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

لم يكن ينقص الليبيين هَمّ أن يُصاب شخص ينتسب إليهم بجنون مفاجئ، فيخرج عن كل شرع ومنطق، ويندفع يُعمِل سكين إرهاب الطعن العشوائي بين جمع من أناس أبرياء، مبتهجين بشمس مساء يوم دافئ، أتاح الخروج للتمتع بالهواء الطلق، بعد تخفيف قيود الإغلاق، فيُقتل ثلاثة منهم، وتسيل دماء الجروح من أجساد ثلاثة آخرين. المقصودون بغمِّ أن ينتسب إلى بلدهم مرتكب جرم إرهابي في بلاد الاغتراب البريطاني، هم الليبيون بشكل عام، سواء كانوا يعانون في ربوع البلد الممزق بسبب تناحر ولاءات، وتكاثر تدخلات، أو أنهم المنتشرون في منافي المهاجر بمشارق القارات الخمس والمغارب، يألمون فيما يتابعون استمرار تدفق الدماء النازفة من الجرح الليبي، وتواصل إلحاح محاولات تقسيم ليبيا بين شرق وغرب.
هل من المؤكد أن جريمة خيري سعد الله، مساء السبت الماضي بمدينة ريدينغ، أثارت مجرد اهتمام الليبيين، حتى يُقال إنها تسببت في هَمٍّ مستجد لهم؟ كلا، ليس مؤكداً، إنما يمكن افتراض أن شعور الأسف ساور كل ليبي يرفض الإرهاب بكل مكان، أما الأرجح فهو أن أغلب الليبيين كانوا منشغلين، ذلك المساء ذاته، برصد ردود الفعل، محلياً وعربياً ودولياً، إزاء خطاب جِداً مهم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فتح، بكل تأكيد، صفحة جديدة في ملف ليبي ما فتئ يزداد تعقيداً، منذ أُطيح حكم العقيد معمر القذافي، قبل تسع سنين، ثبت بكل وضوح، لكل من يتابع مأساة ليبيا، سواء القريب إقليمياً، أو البعيد جغرافياً، أنها سنوات عِجافٌ، فصيفها يزداد قيظاً مع تصاعد اشتعال عنف الميليشيات، وشتاؤها بلا أي دفء يبشر بقرب ربيع هادئ، أما شظف العيش فيها فمستمر، فيما حرارة مراراتها تغلي أكثر، يوماً بعد آخر، ومَنْ يعاني، حقاً، جراء هذا كله؟ إنه شعبها.
لله درّك ليبيا، كم دررت من خيرات على غيرك، منذ اكتشاف ما اختزنت أرضك مما حباك الخالق من ثروات في ستينات القرن السابق. وقبل ذلك، كم من طامع أطلق العنان لطموح الطمع في رمال صحرائك، وسهول شواطئك، وسفوح جبالك، حتى قبل الغزو الإيطالي. تُرى، أكان في حسبان أغلب أبنائك كل هذه الأثقال من الألم، حين خرجوا يرفضون كذبة «الجماهيرية العظمى»، ويشقون عصا سكون الصمت طوال عقود طغيان ضابط منح نفسه رتبة عقيد، ثم سمى انقلابه العسكري على حكم شرعي «ثورة الفاتح العظيم»، ورغم ذلك ظنّوا، أول الأمر، أن فيه، وفي شبان رافقوه، الخير لمستقبل بلد، قليل السكان، مترامي الأطراف، شاسع المساحة، إنما سرعان ما اكتشف بعض الأقربين، قبل البعيدين، كم أنه مسكون بمرض عبادة الذات، وبكمٍ من عُقد شخصية تستعصي على الحلحلة، وربما ليس من قبيل الصدف أنه اختار رتبة «عقيد»، ثم أصّر عليها، ورفض أي ترقية، بزعم التواضع.
لكن ذلك زمن مضى، أعني ما بين اندلاع ثورة 17 فبراير (شباط) 2011 والواقع الراهن. تُرى، هل من الضروري تكرار السؤال؛ لماذا وصل الوضع الليبي إلى المآل الذي انتهى إليه حتى الآن؟ حسناً، كما أشرت في كل مرة تناولت فيها مأساة ليبيا، لست أجد حرجاً في تكرار القول إن الجواب الحاسم يجب أن يبقى من حق أهل ليبيا، قبل غيرهم، باختلاف مشاربهم، أو توجهاتهم. مع ذلك، ربما يجوز طرح اجتهاد شخصي، ولو بحكم نقطة ضعف عاطفية تخصني، عندما يتعلق الأمر بأحوال ليبيا، وسوف أرجّح مسبقاً أن اجتهادي لن يحوز رضا كثيرين. باختصار، يمكن القول إن كل قيادات الأطراف الفاعلة سياسياً على الأرض الليبية تتحمل، بنسبٍ متفاوتة، قدراً من مسؤولية الوضع الراهن. لقد أضاع ساسة ليبيا من محترفي العمل السياسي، قبل إطاحة حكم القذافي، بمختلف ارتباطاتهم، فرصة إثبات أنهم أهل لمسؤولية النهوض بالبلد، عندما فشلوا في وضع مصالح حلفائهم جانباً، وتقديم صالح الليبيين على ما عداه.
هل تمضي أحوال ليبيا إلى حل سلمي، أم تصعيد عسكري؟ واضح أن الكرة الآن في المرمى التركي. مفهوم أن تهتم مصر بتأمين حدودها مع شرق ليبيا، لكن ما الذي يبرر للرئيس إردوغان حجم هكذا تدخل في الشأن الليبي؟ ليس من جواب سوى غرور طموح شخصي تعدى حدود كبح جماحه، فهل يفيق الرجل ويبادر إلى ما يجنّب ليبيا والليبيين المزيد من الاقتتال؟ لعل وعسى، رغم أن التفاؤل صعب. مع ذلك كله، ما من أزمة اشتدت، إلا فُرِجت، ولو بعد حين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا اشتدي أزمة تنفرجي ليبيا اشتدي أزمة تنفرجي



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 01:32 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

طالبات مواطنات يبتكرن جهازًا للوقاية من الحريق

GMT 05:07 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الفيصلي يقف على أعتاب لقب الدوري الأردني

GMT 08:12 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

اكتشفي أفكار مختلفة لتقديم اللحوم والبيض لطفلكِ الرضيع

GMT 04:05 2017 الثلاثاء ,25 إبريل / نيسان

فريق "العين" يتوّج بطلًا لخماسيات الصالات للصم

GMT 04:55 2020 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

أحمد زاهر وإبنته ضيفا منى الشاذلي في «معكم» الجمعة

GMT 18:24 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مجوهرات "شوبارد"تمنح إطلالاتك لمسة من الفخامة

GMT 05:40 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

هبوط اضطراري لطائرة متوجهة من موسكو إلى دبي

GMT 22:49 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

منزل بريستون شرودر يجمع بين التّحف والحرف اليدوية العالمية

GMT 21:38 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد وخالد بن زايد يحضران أفراح الشامسي والظاهري بالعين

GMT 04:11 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ظهور القرش الحوتى "بهلول" في مرسى علم

GMT 00:56 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تعرف على فوائد وأضرار الغاز الطبيعي للسيارات

GMT 00:14 2015 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

صيحة الدانتال لمسة جديدة للأحذية في ربيع 2015
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates