قبل جورج فلويد وبعده

قبل جورج فلويد وبعده

قبل جورج فلويد وبعده

 صوت الإمارات -

قبل جورج فلويد وبعده

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

كما في حالات عدة مِن قبل، ومثلما هو مُتوقع أن يقع في مناسبات مماثلة بمقبل الأيام، جرى تشويه احتجاجات مشروعة ضد حادث قتل مُتعمد، عنصري، مروِّع، وحشي، بغيض، وبشع، تعرض له الأميركي جورج فلويد، على يد الشرطي ديريك شوفين، فإذا به يعرض أمام الملأ، في العالم كله، مدى القبح الذي يمكن أن يذهب إليه ظلم إنسان لأخيه الإنسان، فور ما يخلع الظالم كل لباس عدل زائف يَفترض أنه إذا تلفّح به، فسوف يُخفي ما يخفيه هُوَ، في نفسه من حقد مقيم تحت الجلد منه، ينفث سموم البغض في كل الاتجاهات، يحض على الفتنة، ويمارس التحريض حيث يوجد آخرون يختلف معهم، سواء لأنهم مختلفون في لون بشرة، أو مغايرون في الدين. يحدث هكذا مشهد فظيع عندما ينتفض طبع متوحش مزروع في العروق، يستوطن الضمير والشرايين، فيتجرّد مرتكب الجُرم من أوراق شجر توت تستر مزاعم ادعاء تحضّر، أو تديّن، لتنكشف، من ثَمّ، مدى فظاعة قبح مستور تُزهق روح امرئ، لعله بريء، كما أي طفل، مثلما هو حال إياد الحلاق، الشاب الفلسطيني المُصاب بالتوحّد، ضحية عمى طغيان الاحتلال الإسرائيلي، أو لعل للضحية في سجل الشرطة سوابق ومخالفات، لكنها لن تبرر القتل، مثلما حصل مع الأميركي جورج فلويد.
واضح أن حجم مسيرات الاحتجاج على مقتل جورج فلويد فاجأ حكومات كثيرة على امتداد العالم، وتحديداً في الديمقراطيات الغربية. إنما، هل أن للمفاجأة ما يبررها، وهل أن التشويه كان عفوياً، أم أنه موجّه ومُتعمّد، بعدما كاد ينجح في اختطاف الغرض الأساس للمسيرات، وهو استنهاض همم الناس ككل، الأفراد والمسؤولين أيضاً، ضد كل نهج عنصري، حيثما وُجد؟ الأرجح أن جواب الشق الأول هو النفي، فما من مبرر للمفاجأة، لأن المُفترض أن حكومات الدول الديمقراطية، تدرك جيداً أن سوس مخلفات التمييز العنصري لم يزل ينخر، في الخفاء، أسس العدل في مجتمعات تلك الدول، وعندما يتجاوز الظلم كل حد، فإنه سرعان ما يفجّر شرارة بركانٍ غضب كامن. أما في شأن الشق الثاني للتساؤل، فمن الواضح أن نوعاً من التشويه الأهوج حصل على نحو ممنهج، الأمر الذي أثار استياء متعاطفين كُثر مع الغاضبين. أكثر ما لفت الانتباه من مظاهر شوهت تلك المسيرات، تمثّل في إقحام الأطفال بإشراكهم في التظاهر، ومن ثم دفعهم للتعامل مع أمر لم يزل مقدار وعيهم دون مستوى الإلمام بكامل أبعاده.
جانب آخر من جوانب تشويه المسيرات تمثّل في إقدام بعض الفوضويين على ممارسة تخريب استهدف نهب مخازن سلع، أو محطات وقود، في عدد من الولايات الأميركية. بالطبع، أدى هذا إلى وقوع مزيد من الصدامات مع الشرطة.
في بريطانيا، كذلك، حصل شيء مشابه من ممارسات التشويه تلك. من ذلك، مثلاً، ما وقع بمدينة بريستول الأحد الماضي، حيث أطاح عدد من المتظاهرين تمثالاً للمدعو إدوارد كولستون، وهو أحد أبرز تجار الرقيق خلال القرن الثامن عشر، وراحوا يدحرجونه حتى ألقوا به في نهر. بكل تأكيد، ليس لأحدٍ إذا اعترض على هكذا اندفاع، أن يتوقع تقبّل، أو حتى مجرد تفهم، لماذا الاعتراض على تصرف جموع الغاضبين على التمييز العنصري، فكيف إذا كان الإجراء الغاضب استهدف تمثالا واحدا من رموز أبشع أساليب الاتجار بأنفس البشر؟ كلا، ليس الاعتراض على الغضب، فهو محق تماماً، والرفض يجب أن يوجه أصلاً لمبدأ أن يوجد هكذا تمثال برونزي تكريماً لمثل ذلك الرجل. إنما، ألم يكن ممكناً للمناضلين ضد التمييز العنصري، في بريطانيا كلها، وليس في بريستول وحدها، السعي الدؤوب منذ سنين مضت لأجل إزاحة هكذا تمثال، وغيره مما شابهه، بأسلوب غير عنفي، وبلا تصادم مع أي من شرائح المجتمع؟
معروف أن جريمة قتل جورج فلويد، الاثنين قبل الماضي، لم تكن الأولى، لكن صداها، داخل أميركا وخارجها، بدأ يتضح، يوماً بعد آخر، أنه مميز عما سبقها. الأرجح أن نسيج المجتمع الأميركي السابق لمقتل جورج فلويد لن يبقى كما هو بعده. أما خارج أميركا، فإن خنق الشاب بذلك الأسلوب البشع، يكاد يفجّر بركان غضب عالمي ضد كل مظهر باقٍ للتمييز العنصري. لقد شُيِّع الرجل أمس إلى مثواه الأخير، فهل تُدفن العنصرية معه إلى الأبد؟ كلا، ليس بعد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قبل جورج فلويد وبعده قبل جورج فلويد وبعده



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 17:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:33 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 11:57 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 01:57 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

انشغالات متنوعة التي ستثمر لاحقًا دعمًا وانفراجًا

GMT 01:57 2015 السبت ,03 كانون الثاني / يناير

الفنانة مي كساب تصوّر مسلسل "مفروسة أوي"

GMT 01:19 2014 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

استعد لتسجيل أغاني قديمة وحديثة لألبومي الجديد

GMT 11:27 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

جرأة وروعة الألوان في تصميم وحدات سكنية عصرية

GMT 22:04 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

جزيرة مالطا درة متلألئة في البحر المتوسط

GMT 21:59 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

نشطاء على الفيس بوك يقيمون يومًا ترفيهيًا للأطفال الأيتام

GMT 09:20 2016 الأحد ,03 إبريل / نيسان

متفرقات الأحد

GMT 18:47 2013 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الصين تعرض تصدير 3200 ميغاواط من الكهرباء لباكستان

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة ترصد أهم خمسة أشياء تؤلم الرجل في علاقته مع شريكته

GMT 21:22 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل زيدان "في مهب الريح" للمرة الأولى

GMT 18:49 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

28 موديلا مختلفا لقصات الجيبات

GMT 04:49 2020 السبت ,18 إبريل / نيسان

تسريحات رفع ناعمة للشعر الطويل للعروس

GMT 03:10 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مي عمر تنضم لمسلسل محمد رمضان "البرنس" رمضان المقبل

GMT 02:53 2019 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

إطلاق مجموعة "لاكي موف"من دار "ميسيكا" باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates