فلسطينيون وعرب آثمون

فلسطينيون وعرب آثمون

فلسطينيون وعرب آثمون

 صوت الإمارات -

فلسطينيون وعرب آثمون

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

ضمن تعقيب مشكور على مقال الأربعاء الماضي بشأن مسلسل «أم هارون» الرمضاني، هنا في هذه المساحة من «الشرق الأوسط»، وجّه لي ثلاثة قراء أفاضل من قطاع غزة، عبر البريد الإلكتروني، السؤال التالي: ما هي محددات، أو ضوابط، العمل الإبداعي؟ وهل ثمة معايير أخلاقية، أم لا بأس من ضرب الأخلاق والتاريخ والحقائق عرض الحائط؟ من جهتي، أرى أن جواب الشق الأول هو ما يلي: ليس من محددات، ولا ضوابط، لأي عمل إبداعي، إلا ما يحدده المبدع ذاته من القوالب، أو الضوابط، التي سوف تحكم العمل. من ذلك، مثلاً: شروط التعاقد مع المنتج، كونه الجهة التي سوف تنفق على إنجاز العمل، والتي قد تجيز جوانب، وربما ترفض غيرها. أما في شأن الشق الثاني من السؤال، فإن الجواب، سوف يأتي، بالضرورة، في شكل تساؤلات، مثل: مَنْ، أو ما، هو الطرف، الذي يحق له وحده فقط تحديد «المعايير الأخلاقية»؟ ما هو بالضبط تعريف «الأخلاق»؟ وما «التاريخ» على وجه التحديد؟ ومَنْ يملك سلطة تقرير الفرق، جازماً بلا هامش شك، بين «الحقائق» و«الأباطيل»؟ ثم أي «حائط» تحديداً، ذاك الذي تُضرب به تلك القيم؟ إنها تساؤلات تشكل في مجملها جملة إشكاليات فلسفية، ربما يسهل على شخص تحديد إجاباتها بجرة قلم، في مقال، عبر خاطرة، أو بعد تأمل وتمحيص وتدبر، لكنه يتوهم إذا ظن أنه يملك وحده حق تعميم رؤيته تلك وفرضها على الآخرين فرضاً.

ما تقدم لن يلغي، أبداً، حقيقة أن قضية فلسطين، هي عند كل الفلسطينيين، غير قابلة لأي جدل، أو تصرف. يتفق معظم العرب، شعوباً ومسؤولين، مع هذا المنطق المُتوارث، جيلاً بعد جيل. لكن واقع ما بعد توقيع اتفاق «كامب ديفيد»، يوم 17-9-1978. يقول إن ما هو غير قابل لأي جدل، أو تصرف، في شأن قضية الفلسطينيين لم يعد موضع اتفاق بين جميع العرب والمسلمين. مُؤلم هذا؟ نعم، بالتأكيد، بل ومحزن، لكنه قائم. بين خريف 1978 وصيف 1990 اثنتا عشرة سنة جرت خلالها مياه آسنة كثيرة تحت جسور الواقع العربي، وفشلت طوالها محاولات إفشال «كامب ديفيد»، لكنها شهدت الأسوأ متمثلاً في غزو الرئيس العراقي صدام حسين للكويت، الذي قصم ظهر العرب أجمعين، وبلا أي تدقيق في الحسابات فوجئ الخليجيون، وكثير غيرهم، من ضمنهم فلسطينيون، بالنزول الفلسطيني، رسمياً وشعبياً، إلى الخندق الصدّامي. مذ ذاك، بدأ تحول في الشارع الخليجي، عموماً، سوف يمضي طويل وقت قبل أن يلمس الفلسطيني غير الجالس في مواقع القرار، مدى تأثيره مستقبلاً.
هل تعلّم درس الموقف من غزو الكويت المؤثرون في القرار الفلسطيني؟ بعضهم أقر بالخطأ، بلا التفاف في الكلمات أو تلعثم، وسارع يحاول الإصلاح. بينهم من حاجج أن موقف القيادة الفلسطينية فُهِم خطأً، ومع ذلك اعترف أن إصلاح حال العلاقة مع شعوب الخليج يتطلب جهداً غير عادي، رغم فتح الأبواب رسمياً. أما الذين لم يوفروا أي جهد في تخريب كل تقارب فلسطيني - خليجي فهم اللاعبون في ساحات الإعلام، المتلاعبون في توجيه الرأي العام الفلسطيني وفق ارتباطهم، مصلحياً، بعواصم غير عربية تصر على الإمساك بزمام القرار الفلسطيني، حتى لو على حساب القضية الفلسطينية ذاتها. حقاً، ماذا يضير ممارسي الصراخ، فلسطينياً، عبر المايكرفون التركي أو الإيراني، عندما يقحمون قضية فلسطين، وشعبها، بما يجري باليمن، أو سوريا، أو ليبيا؟ لن يضرّهم ذلك الصراخ بشيء، شخصياً، لكنه سيفعل فعله في تأليب أحاسيس المجتمع الخليجي، ومن ثمّ يقلب مشاعر الناس العاديين رأساً على عقب. في المقابل، ستعلو أصوات خليجية تصب جام غضب أحمق على رؤوس الفلسطينيين، بلا تفريق، ولن تخجل من التنصل من قضيتهم. بئس ما يفعل أصحاب تلك الأصوات الخليجية، وكذلك الفلسطينية. إنهم يمارسون إثم التخابث السياسي بزعم التحدث نيابة عن شعوبهم.
بعد يوم غد، تحل الذكرى الثانية والسبعون لإعلان قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين. الحقيقة الصادمة هي أن أحد الأهداف الأساسية من إنشاء إسرائيل في دق إسفين تسميم العلاقات بين العرب، قد تحقق فعلاً، ولم يزل هذا الهدف، تحديداً، يتحقق بصورة أفضل، على غير مستوى، بفضل أصوات فلسطينية وعربية تندفع على طريق الإيقاع الآثم، ليس فحسب بين ولاء المجتمعات العربية الأصيل للقضية الفلسطينية، وإنما أيضاً بين الناس أنفسهم، عرباً وفلسطينيين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسطينيون وعرب آثمون فلسطينيون وعرب آثمون



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates