الفلسطيني والإماراتي معذوران

الفلسطيني والإماراتي معذوران

الفلسطيني والإماراتي معذوران

 صوت الإمارات -

الفلسطيني والإماراتي معذوران

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

إذنْ، تم الأمر. حطت أول من أمس طائرة «العال» بمطار أبوظبي بعدما أتمت الرحلة رقم «LY971» من مطار تل أبيب. حسناً، ما الذي سوف يترتب على ما حصل، ماذا بعد؟ بدءاً، ربما ليس ثمة خطأ أن أعود بشريط الأحداث عدداً من الأعوام، ولو من باب التذكير. على متن إحدى طائرات «مصر للطيران»، قبل ثلاثة وأربعين عاماً (1977/11/19) هبط رئيس جمهورية مصر العربية، آنذاك، محمد أنور السادات في مطار بن غوريون، فيما اصطف كبار زعماء إسرائيل، المدنيون منهم، والعسكريون، في طابور طويل لكي يكونوا في عداد الذين سوف يوثق التاريخ أنهم شهدوا بأعينهم، وسمعوا بآذانهم، وقائع حدث صاعق. بالفعل، بدا المشهد، يومذاك، مستعصياً على التصديق. الرئيس السادات نفسه كان يدرك كم سيكون مثيراً للاستغراب ما عقد العزم عليه، لذا قال أمام مجلس الشعب المصري ما يلي: «ستُدهش إسرائيل عندما تسمعني أقول الآن أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم». ومن منصة «الكنيست» الإسرائيلي خاطب الناس أجمعين، قائلاً: «ألتمس العذر لكل من استقبل قراري عندما أعلنته للعالم كله بالدهشة». الرجل يلتمس العذر لما تسبب به من دهشة، فماذا عما أحدث من فجيعة، بمقاييس ذلك الزمن؟ الجواب واضح في تسلسل شريط أحداث معروف، بدءاً من التوصل إلى معاهدة كامب ديفيد (1978)، فمقاطعة مصر وإخراجها من الجامعة العربية، وصولاً إلى توقيع الأردن وإسرائيل اتفاق وادي عربة (1994)، الذي لم يثر غضباً بمستوى ما أحدث «تسونامي» صاعقة السادات. ماذا عن قرار موريتانيا تجريب الطريق ذاته، وهل ثمة مبالغة في القول إن الاتفاق الموريتاني - الإسرائيلي بدأ (1999) وانتهى (2010) وكأنه لم يكن أصلاً؟ كلا، لستُ أظن ذلك. الأمر متعلق بجانبين؛ أولهما حجم الصدمة، وثانيهما وزن الدولة. هذا يفسر، لماذا يثير الاقتحام الإماراتي المفاجئ طريق إقامة علاقات مع إسرائيل، كل ما ثار حوله من زوابع.


بالتأكيد، وزن الدولة يتصدر الأسباب، لكن ما يتلوه من أسباب لا يقل أهمية. ضمن هذا السياق، يمكن القول إن الفلسطيني المصدوم بالقرار الإماراتي معذور في ذلك، لأسباب عدة تدور، بمجملها، في فلك تقدير الفلسطينيين للإمارات، دولة وشعباً، وهو تقدير منسجم كذلك مع عواطف ودٍ يحملها فلسطينيون كثر، يتساوى في ذلك المقيمون في ربوع الإمارات السبع، ومن زارهم مِن ذويهم عبر السنين. ثم، من مزيج التقدير والود، مضافاً إليهما الوزن المهم لدولة الإمارات، عالمياً، يمكن تلمس العذر للفلسطيني - المقصود هنا المواطن العادي، وليس مَن يمارس العمل السياسي - إذا توقع ألا تعطي عاصمة بحجم أبوظبي، وثقلها الدولي، تل أبيب، ما سوف يبدو للمواطن الفلسطيني - حتى لو لم يكن التصور دقيقاً، إما لعدم الاطلاع، أو نتيجة تضليل - أنه دعم معنوي يُقدم لها على طبق عربي، بلا مقابل إسرائيلي يعادل في الأهمية ما حصل عليه الطرف الإسرائيلي. تلمس هكذا عذر للفلسطيني، ليس بالأمر المستحيل، إنما المطلوب مجرد تفكر بلا تحسس، أو ضيق صدر.

في الضفة الإماراتية، يمكن القول، بلا أي تردد، إن المواطن الإماراتي معذور أيضاً إذا انطلق في مناكب الأرض يريد مصالح حاضر أبنائه، وصالح مستقبل أجياله. بعض الفلسطينيين، لم يزل يرفض تقبل حقائق عدة ترسخت على أرض الواقع العربي، بدءاً بصواعق «تسونامي» السادات. مُدهش، أحياناً، أن الجيل الفلسطيني الجديد يفكر، سياسيا، بأساليب تجعل الشاب منهم والشابة، يبدوان كأنهما في خريف العمر. كيف يستخدم هؤلاء، بإتقان، أدوات ثورة التكنولوجيا، فيما يفشلون في فهم أن الدنيا تغيرت، ولم تعد تدور في فلك سياسي محصور في قضيتهم. ضمن ذلك التغيير، الأرجح ألا يلتفت شاب إماراتي، أو شابة، كثيراً، ولا حتى قليلاً، لكل تلك «الولولة» الفلسطينية ضد بلدهما، والحق أنهما معذوران في ذلك أيضاً، فالوقت لدى من يعنيه، ويعنيها، مهم جداً، وأحرى ألا يُضيع في زعيق بلا معنى. تكراراً، في الواقع كلٌ منهما معذور؛ الفلسطيني المصدوم لأنه محبٌ للإمارات من جهة، ولأنه مفجوع، من جهة ثانية، بما عانى جراء الخداع الإسرائيلي طوال سنين الصراع. معذور أيضاً الإماراتي، المتعامل مع متغيرات العالم بواقعية تضمن له تطوير الواقع والغد الأفضل. أما من طريق يجمع الاثنين حول مبدأ أن خلاف الاجتهاد يجب ألا يفسد قروناً من أواصر القُربى؟ نعم، ممكن. إذا وُجدت الإرادة، وُجِد السبيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفلسطيني والإماراتي معذوران الفلسطيني والإماراتي معذوران



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates