الصفقة ابتلاء المزايدة وباء

الصفقة ابتلاء... المزايدة وباء

الصفقة ابتلاء... المزايدة وباء

 صوت الإمارات -

الصفقة ابتلاء المزايدة وباء

الكاتب بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

كيف يمكن زعم الوقوف في خندق الدفاع عن قضية فلسطين، وفي الوقت ذاته رمي زعامة الشعب الفلسطيني الشرعية بسهام التشكيك في صلابة موقفها مما سُمي «صفقة القرن»؟ منطقياً، ذلك تناقض واضح، إنما في وقت تكتسح فيه التناقضات كل كوابح المنطق، يبدو أن الرأي العام عموماً، وفي العالم العربي خصوصاً، بات في الأغلب الأعم جاهزاً لتقبّل التعاطي مع الشيء ونقيضه بالمعيار ذاته، بمعنى أنك يجب ألا تعجب إذ ترى كثيراً من الناس سكارى بخمر تضليل يُسقى من نبع الهوى، وعشق الذات. واقع الحال أن أولئك هم كمن راح يشتري ضلال الكذب بهدى الصدق مع النفس. إنما، في نهاية المطاف، لن تربح تجارة كتلك، مهما طال زمان خداعها الآخرين، ذلك أن الحق سوف يسطع ذات يوم، وساعتئذ لن يصح سوى الصحيح.
أليس من المؤسف أن يضع الرئيس الأميركي دونالد ترمب نفسه، وبلاده، التي يُفترض أن تمارس دور الوسيط العادل بين طرفي الصراع، في هكذا موقف غير عادل على الإطلاق، بل هو مجحف بشكل غير مسبوق تجاه الفلسطينيين، الطرف الواضح أنه الأضعف، في المعادلة، عندما يزعم أن ما يقترح هو أفضل ما يمكن للشعب الفلسطيني الحصول عليه، ومِن ثم فإن رُفض فربما لن يتوفر للفلسطينيين ما هو أفضل أبداً؟ نعم، ذلك تصوّر ليس فقط متنافياً مع الحق، بل هو أيضاً مجانب لكل صواب يمكن لمنطق العقل أن يقبل به. أولاً، ليس صحيحاً أن ما يقترح سيد البيت الأبيض هو الأفضل بين كل ما طُرح من خطط سلام طوال ما سبق من سنوات الصراع، بل لعله الأسوأ. ثانياً، إصرار زعيم الدولة الأقوى في العالم على أن تبقى القدس، بشقيها الغربي إلى جانب الشرقي، عاصمة موحدة للإسرائيليين وحدهم، متعارض مع قرارات الشرعية الدولية ومواثيقها، من جهة، ومتناقض مع ما هو موضع توافق بين معظم حكومات الأرض، فكيف، إذنْ، لهكذا موقف أن يخدم التوصل إلى حل عادل، يوصل بدوره إلى سلام شامل، ليس بين طرفي الصراع فحسب، بل لشعوب الشرق الأوسط كافة؟
إنما، لئن أثار العجب موقف الرئيس ترمب، فإن تبجح بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة تل أبيب، لجهة أن الرئيس الأميركي فضح أخيراً «كذبة» عمّرت قروناً تدعي وجود احتلال إسرائيلي لأرض الفلسطينيين، هو الكذب بعينه، جهاراً وأمام مرأى ومسمع الناس في مشارق الكوكب ومغاربه. لكن نتنياهو مارس ذلك الكذب المفضوح مستقوياً بما صدر عن الرئيس ترمب بشأن القدس، ولو أن مبتكر «صفقة القرن» تمهّل قليلاً لكان ذلك خيراً له، ولبلاده، ولمجمل هدف السلام، وليس لأجل حقوق الفلسطينيين فحسب. ضمن السياق ذاته، يظل الأعجب من تطرف موقفي الرئيس الأميركي، ونتنياهو، أن تصدر أصوات فلسطينية تصب هي أيضاً في المصب ذاته، رغم ادعاء أصحابها أنهم متمترسون في خندق صد ما يُراد من شر تصفية القضية الفلسطينية. المقصودون هنا هم الزاعقون بأصوات تصر على التشكيك في صلابة الموقف الفلسطيني المُعبَّر عنه رسمياً من خلال الممثل الشرعي الوحيد، ممثلاً في الرئيس محمود عباس. عندما تُوجِه تلك الأصوات سهام النيل من ثبات الموقف الفلسطيني، فإن ذلك سوف يخدم، بالنتيجة، مخططات تمرير «صفقة القرن»، ولو زُعِم العكس.
واضح أن تلك الأصوات تعكس حقيقة أن وباء المزايدة لم يزل يمارس حضوره المؤذي لمصالح الشعب الفلسطيني لصالح أجندات قوى معروفة الأهداف. واضح أيضاً أن ما أعطاه الرئيس ترمب اسم «صفقة القرن» - ربما من منظور فهم أن كل شيء عنده هو «بزنس»، بما في ذلك قضايا الشعوب، ومصائر أجيال لم تزل في رحم الغيب - هو ابتلاء مُقدّر للشعب الفلسطيني أن يواجهه، وفي هذا السياق، بدا طبيعياً أن يتنادى وزراء الخارجية العرب إلى لقاء إسناد للموقف الفلسطيني، التأم في رحاب جامعة الدول العربية، الكيان الذي لم يزل يجمع العرب، رغم كل محاولات التقسيم والتفتيت، بل والافتئات على حقيقة أن الجوامع بين شعوب العالم العربي تفوق كثيراً فروق اختلاف العادات. يبقى القول إن الابتلاء سوف يأخذ المكان، الذي يستحق، إلى جانب ابتلاءات عدة سبقته. وأما وباء المزايدة، فمن الأسف أنه باقٍ ما بقي الزمان، وما بقيت نفوس يهمها تضخم الأنا أولاً، حتى لو أن الآتي بعدها ليس سوى الطوفان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصفقة ابتلاء المزايدة وباء الصفقة ابتلاء المزايدة وباء



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 17:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:33 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 11:57 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 01:57 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

انشغالات متنوعة التي ستثمر لاحقًا دعمًا وانفراجًا

GMT 01:57 2015 السبت ,03 كانون الثاني / يناير

الفنانة مي كساب تصوّر مسلسل "مفروسة أوي"

GMT 01:19 2014 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

استعد لتسجيل أغاني قديمة وحديثة لألبومي الجديد

GMT 11:27 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

جرأة وروعة الألوان في تصميم وحدات سكنية عصرية

GMT 22:04 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

جزيرة مالطا درة متلألئة في البحر المتوسط

GMT 21:59 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

نشطاء على الفيس بوك يقيمون يومًا ترفيهيًا للأطفال الأيتام

GMT 09:20 2016 الأحد ,03 إبريل / نيسان

متفرقات الأحد

GMT 18:47 2013 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الصين تعرض تصدير 3200 ميغاواط من الكهرباء لباكستان

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة ترصد أهم خمسة أشياء تؤلم الرجل في علاقته مع شريكته

GMT 21:22 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل زيدان "في مهب الريح" للمرة الأولى

GMT 18:49 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

28 موديلا مختلفا لقصات الجيبات

GMT 04:49 2020 السبت ,18 إبريل / نيسان

تسريحات رفع ناعمة للشعر الطويل للعروس

GMT 03:10 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مي عمر تنضم لمسلسل محمد رمضان "البرنس" رمضان المقبل

GMT 02:53 2019 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

إطلاق مجموعة "لاكي موف"من دار "ميسيكا" باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates