قضية تستعصي على التصفية

قضية تستعصي على التصفية

قضية تستعصي على التصفية

 صوت الإمارات -

قضية تستعصي على التصفية

الكاتب بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

يُفترض أن أنهار دموع الفلسطينيين بمشارق الأرض والمغارب، تتدفق منذ نهار أمس تبكي تصفية قضيتهم من خلال بنود ما سُمي «صفقة القرن»، التي تُنسب للرئيس الأميركي دونالد ترمب. لكن أمراً كهذا لم ولن يحصل إطلاقاً، لسبب بسيط جداً، خلاصته أن قضية الفلسطينيين، سوف تبقى عصيّة على التصفية، بالمعنى الذي يُجتر منذ كانت القضية. بلا أي تقليل من ذكاء أفاضل القراء، مقدار ذرة أو أقل، ربما يفيد التذكير بمعنى كلمة «تصفية».
وفق موقع «المعاني»، فإن المعجم الوسيط يعطي كلمة «تصفية» سبعة وعشرين معنى، في حين يكتفي معجم المعاني الجامع بواحد وعشرين. يسبح معظم الشروح في فَلك تجاري. مثلاً، إذا أراد تاجر التخلص من بضائع طال بوارها في المستودعات، فإنه يعمد إلى خفض الأسعار بغرض التسريع في عقد صفقات البيع وبالتالي تصريفها. وإذا ضاق أحدهم بما علق من مشكلات، فسوف يجِدّ في مسعى إيجاد الحلول لها. كذلك الحال عندما تفشل الشركات في تحقيق مكاسب، وتتوالى الخسائر، فيتخذ ذوو الحل والربط القرار الصعب بتصفية الشركة، أي حلها وإغلاق حساباتها، بلا قيد أو شرط.
في السياق نفسه، الشعوب أيضاً تسعى للخلاص من وجود أجنبي فُرض على أرض الوطن في شكل قواعد عسكرية، مثلاً، فإذا أُزيلت تماماً قيل إن القاعدة صُفيت نهائياً، مع أن ذلك القول ليس دقيقاً في الأحوال كافة، إذ كثيراً ما يتم الإبقاء على منشآت أو مبانٍ أقامها الأجنبي، بقصد الإفادة منها، وهذا هو الأسلم. عندما يتعلق المعنى بملف سياسي، فإن تصفية الخلاف بين أطراف عدة عن طريق القانون تعني تسويته بالتوصل إلى حل له.
هل أن ما سبق من معاني «تصفية» ينطبق على التعامل مع إيجاد حل لقضية فلسطين ونكبة شعبها؟ يصعب، وربما يستحيل، أن تتفق كل الأطراف، سواء العربية أو الدولية، وحتى الفلسطينية قبل غيرها، على الإجابة ذاتها. خذ، مثلاً، المعنى الأخير القائل بالتوافق على الحل عن طريق القانون. عندما اتخذ الطرف المُعتمد ممثلاً شرعياً، بل «الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني»، قرار الذهاب إلى مؤتمر مدريد (30/10/1991)، علا زعيق الفصائل المعارضة، بأطيافها المتعددة - ولم تكن «حماس» وُلدت بعد، ولا «الجهاد الإسلامي» ظهرت على الخلق - أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية استسلمت، وأنها سوف تنساق مع «مؤامرة تصفية القضية». أما بعد توقيع اتفاق أوسلو في حديقة البيت الأبيض (1993) فقد طفق صراخ التحذير من قرب تطبيق «التصفية النهائية للقضية» يملأ آفاق الكون كله، تقريباً، فما الذي حصل؟ لا شيء، لا شيء إطلاقاً، قضية الشعب الفلسطيني لم تُنزع من القلوب، بل تقيم بين ضلوع أجيال النكبة في مخيمات المنافي، جيل «مهجوس» بعشق فلسطين لم يزل يلد خلفاً له أشد تعلقاً بها.
عصي أن أتذكر، شخصياً، وربما غيري من أحياء جيلي، كم مرة طلع علينا الزاعقون في بوق النفير العام، أن هلموا إلى واجب صد خطر «تصفية القضية». سجلات ما قبل هزيمة 1967، وما بعدها، توثق أن ما من زعيم حاول اقتراح حل سلمي، إلا ورُمي بحجارة من سجيل الوصم بجريمة «تصفية» قضية فلسطين. يستوي في ذلك زعماء خصوم، كما حصل مع «المجاهد الأكبر» الحبيب بورقيبة، حين دعا، سنة 1965، إلى تحدي إسرائيل بمطالبتها بأن تطبق قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة يوم 29/11/1947، وأيضاً مع جمال عبد الناصر، وهو المُبايَع يومذاك «زعيم العروبة» بلا منازع، عندما وافق سنة 1969 على مشروع مبادرة ويليام روجرز، كلاهما لُعن في الشوارع بلغة شوارع ليست تليق بقيادات سياسية، وضُرِب بالجُرم ذاته: «تصفية القضية»، أما الذي حصل من لطم وعويل في جنازات تشييع فلسطين بسبب «تصفية القضية» فور توقيع الرئيس أنور السادات، ومناحيم بيغن، رئيس حكومة تل أبيب، اتفاق كامب ديفيد (1978)، فحاضر في الذاكرة أبداً، رغم أن ما ووفق عليه، فلسطينياً، في أوسلو أقل مما رُفض عندما عُرض على الزعامة الفلسطينية لو شاركت في مفاوضات فندق «مينا هاوس» بالقاهرة!
ليس مطلوباً من القيادات الفلسطينية أن توافق على ما يُسمى «صفقة القرن»، كلا، المطلوب أن تتوقف عن اجترار كلمة «تصفية» القضية، بسبب وبلا سبب، فيما هي تواصل نهش لحوم بعضها بعضاً، فتصفي حساباتها الفصائلية على حساب قضية شعبها، العصية على كل تصفية، قبل إدارة الرئيس ترمب وبعدها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قضية تستعصي على التصفية قضية تستعصي على التصفية



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 01:32 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

طالبات مواطنات يبتكرن جهازًا للوقاية من الحريق

GMT 05:07 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الفيصلي يقف على أعتاب لقب الدوري الأردني

GMT 08:12 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

اكتشفي أفكار مختلفة لتقديم اللحوم والبيض لطفلكِ الرضيع

GMT 04:05 2017 الثلاثاء ,25 إبريل / نيسان

فريق "العين" يتوّج بطلًا لخماسيات الصالات للصم

GMT 04:55 2020 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

أحمد زاهر وإبنته ضيفا منى الشاذلي في «معكم» الجمعة

GMT 18:24 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مجوهرات "شوبارد"تمنح إطلالاتك لمسة من الفخامة

GMT 05:40 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

هبوط اضطراري لطائرة متوجهة من موسكو إلى دبي

GMT 22:49 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

منزل بريستون شرودر يجمع بين التّحف والحرف اليدوية العالمية

GMT 21:38 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد وخالد بن زايد يحضران أفراح الشامسي والظاهري بالعين

GMT 04:11 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ظهور القرش الحوتى "بهلول" في مرسى علم

GMT 00:56 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تعرف على فوائد وأضرار الغاز الطبيعي للسيارات

GMT 00:14 2015 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

صيحة الدانتال لمسة جديدة للأحذية في ربيع 2015
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates