بركان غضب في إيران

بركان غضب في إيران

بركان غضب في إيران

 صوت الإمارات -

بركان غضب في إيران

الكاتب بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

هذه ليست أول مرة تشهد انفجار بركان غضب الإيرانيين إزاء استهتار نُخَب الحكم، إنْ في طهران، أو حيث يقيم ممسكون بمفاتيح الحل والربط في قُمّ. الاستهتار المقصود هو وضع القائمين على إدارة أمور الإيرانيين، مصالح أجنداتهم السياسية قبل متطلبات الحياة اليومية للناس. ربما يقال إن مواجهات نهاية الأسبوع الماضي بين جموع الغاضبين، وحُرّاس أمن النظام بسبب الاعتراف الرسمي المتأخر بإسقاط طائرة ركاب أوكرانية، ولو بصاروخ أطلِق خطأ، فضل الطريق، إنما يعكس سخط ذوي قربى ضحايا الطائرة فقط، ولا يعبر عن غضب شعبي يصل لدرجة البركان، كما يزعم عنوان المقال. يُمكن إفساح المجال أمام محاججة كهذه، لكن هذا لن يحول دون فتح سجل تاريخ مواجهات عدة وقعت بين قطاعات من شعوب إيران، وبين الحكم، في مراحل مختلفة، ولأسباب تتباين، لكنها في مجملها تلتقي عند حقيقة وجود بركان غضب يغلي بين مختلف شرائح الإيرانيين منذ السنين الأولى لتمكين الخميني من النجاح في أن يطيح حكم الشاه محمد رضا بهلوي، والحلول محله، لبدء تنفيذ مخطط طائفي خبيث يستهدف تقسيم دول إقليم الشرق الأوسط عموماً، والعربية خصوصاً، «كانتونات» طوائف، كي يسهل التحكّم الخارجي بواقعها أولاً، ثم مستقبلها، بدءاً من زعزعة استقرارها، وصولاً إلى إهدار ثرواتها في حروب من الواضح كيف تبدأ، ومجهول متى تتوقف.
إنما، قد يُقال أيضاً، وعن حق كذلك، أين كانت نُخَب «الفكر القومي» في عالم العرب، عندما أطل رأس ذلك المشروع الطائفي خواتيم سبعينات القرن المنصرم - ربيع 1979 تحديداً - وما الذي كان يدور في رؤوس أغلب قيادات ما يُسمى «التيار العروبي»، حتى طفقت تتسابق على تقديم الولاء لحكم «الآيات» القائل علناً، أمام الملأ أجمعين، إنه عامل على تصدير «ثورة إسلامية» إلى دول الجوار العربية؟ ثم أليس مثيراً للعجب، إذ ذاك، أن يقبل ثوريون عرب كبار، عمراً في مشوار حياتهم، ومقاماً بمقاييس خبراتهم الثورية، يمثلون مختلف التيارات، من حركاتها القومية إلى أحزابها الماركسية - اللينينية، الجلوس مثل تلاميذ مبتدئين يطلبون علم الثورات في مجلس الخميني؟
ليس مبالغة القول إن الجواب بحاجة إلى مجلدات. بيد أن واجب التدقيق يوجب التذكير بجهد غير كاتب اجتهد في تحليل تناقضات مواقف نُخب العالم العربي خلال العقد الواقع بين 1979 و1989. وفي هذا السياق صدر بالفعل أكثر من كتاب تناول الموضوع، إنما ليس هنا مجال التطرق لعناوين كتب وأسماء مؤلفين. أما مُرّ الخلاصة فيقول إن قيادات النخب العربية كانت، آنذاك، منشغلة في حروب مشتعلة فيما بينها بسبب تعدد ولاءاتها لأنظمة حكم عربية زعم زعماؤها، زمن ذاك، أنهم حُرّاس بوابات العالم العربي، سواء في المشارق، أو المغارب، أو على تخوم أفريقيا، فما الذي انتهى إليه زعماء الثورات العربية، ومَن تبعهم مِن مفكري العرب الثوريين؟ الفشل الذريع. ذلك هو الجواب، باختصار واضح للجميع. فشل في ماذا؟ ثم لماذا؟ أول الإخفاق تمثل في تقديم الشعار البرّاق على ما هو ممكن التطبيق. نعم، حصل إنفاق مليارات على مشاريع قيل إنها تنموية، لكن نتائجها أتت متناقضة تماماً مع احتياجات الواقع اليومي. تبع ذلك الخطأ الذي تفوّق على كل الأخطاء مجتمعة، ألا وهو تقديس الفرد، ورفع مكانة الزعيم في مجتمعات ثورية درجات تغفل حكمة القول الحكيم: «رحم الله امرأ عرف قدر نفسه»، بل إن بعضهم بدا في سلوكياته اليومية كأنما هو في غيرة من ذلك النمرود، ينتظر بعوضة تفتك به وبمجمل حكمه، وقد كان.
أمام واقع ثوري فاشل في العالم العربي، مثل ذاك، خُيّل لثوريين عرب أن «ثورة الخميني الإسلامية» هي الحل الذي طال انتظار وصوله، فحصل الاصطفاف الخاطئ، الموصل هو أيضاً إلى فشل آخر، لأن كل ما بُني على خطأ مآله انهيار، ولو بعد حين. إلى أين سوف يمضي بركان غضب الإيرانيين على مآسي الفشل الذي أوصل حكم «الآيات» شعوب إيران إليه؟ ليس واضحاً حتى الآن. صحيح أن بوسع حكام طهران إنزال مئات آلاف إلى الشوارع مقابل جموع الغاضبين، إنما الصحيح كذلك، هو أن الصبر على المفاسد له حدود، وقد تناقل الناس منذ زمن بعيد أن إياكم وثورة الحليم إذا غضب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بركان غضب في إيران بركان غضب في إيران



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 01:32 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

طالبات مواطنات يبتكرن جهازًا للوقاية من الحريق

GMT 05:07 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الفيصلي يقف على أعتاب لقب الدوري الأردني

GMT 08:12 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

اكتشفي أفكار مختلفة لتقديم اللحوم والبيض لطفلكِ الرضيع

GMT 04:05 2017 الثلاثاء ,25 إبريل / نيسان

فريق "العين" يتوّج بطلًا لخماسيات الصالات للصم

GMT 04:55 2020 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

أحمد زاهر وإبنته ضيفا منى الشاذلي في «معكم» الجمعة

GMT 18:24 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مجوهرات "شوبارد"تمنح إطلالاتك لمسة من الفخامة

GMT 05:40 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

هبوط اضطراري لطائرة متوجهة من موسكو إلى دبي

GMT 22:49 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

منزل بريستون شرودر يجمع بين التّحف والحرف اليدوية العالمية

GMT 21:38 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد وخالد بن زايد يحضران أفراح الشامسي والظاهري بالعين

GMT 04:11 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ظهور القرش الحوتى "بهلول" في مرسى علم

GMT 00:56 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تعرف على فوائد وأضرار الغاز الطبيعي للسيارات

GMT 00:14 2015 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

صيحة الدانتال لمسة جديدة للأحذية في ربيع 2015
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates