أكتوبر مصري وآخر ليبي

أكتوبر مصري... وآخر ليبي

أكتوبر مصري... وآخر ليبي

 صوت الإمارات -

أكتوبر مصري وآخر ليبي

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

منذ عام، انطلق دونالد ترمب يضع خطط خوض معركة البقاء في البيت الأبيض أربع سنوات إضافية، هي فترة ولايته الثانية، فهل توقع أحد، آنذاك، أن رئيس الدولة الأقوى على سطح الأرض، سوف يقع في مصيدة فيروس «كورونا» فتنطلق التساؤلات بشأن مدى قدرته، صحياً، على مواصلة حملته الانتخابية؟ المفاجآت جزء أساس من قواميس ساسة كل زمان، وأي مكان. إذا لم يضع السياسي احتمال وقوع مفاجأة تفسد كل ما بنى من حسابات، فيستعد بتحضير بدائل، يكون أقرب إلى مغامر مبتدئ، وربما مقامر غبي، منه إلى صانع قرار يعمل وفق ما ينبئ به العقل الذكي. بيد أن ثمة مفاجآت تصعق، أحياناً، بفعل شدة صدمتها، حتى الجمع القريب من شخص صاحبها. شاءت لي أقدار تجربتي الصحافية أن أشهد واحدة من تلك الحالات. حدث ذلك يوم السابع من أكتوبر (تشرين أول) 1973. كنت مع عدد من الزملاء والزميلات بمقر جريدة «البلاغ» في طرابلس، نستمع إلى خطاب للعقيد معمر القذافي. فوجئ الجميع، وربما فوجئت أكثر من غيري، أن العقيد بدأ الخطاب غاضباً، بل بدا كأنه في حالة غضب مع نفسه، إذ طفق يصرخ موجهاً الكلام للضباط والجنود المصريين زاعماً أنهم وقعوا في فخ «مؤامرة»، وأنهم يخوضون «حرب تحريك» هدفها بدء عملية استسلام لإسرائيل.

ليس من السهل أن أنسى وقع ما كنت أسمع، وتأثير صدمة صراخ القذافي يومذاك على جميع الذين كانوا حولي، إذ كانت «البلاغ»، منذ أصدرها علي عبد الله وريث (1963) منبراً للتيار العروبي، وبعد رحيله في حادث سير (14/8/1970) واصل أصدقاؤه الذين تولوا شأنها، من بعده، يتقدمهم المحامي إبراهيم بشير الغويل، السير على النهج ذاته، وبالتالي، بدا واضحاً للجميع أن كلام القذافي الصاعق إحباط فظيع لكل ضباط الجيش المصري وجنوده، ولمصر كلها، ثم أبعد منها، إذ أن انتصار السادس من أكتوبر 1973 كان يوم فخر في مختلف أنحاء العالم العربي، بل بين العرب عموماً، بكل ديار اغتراب وجدوا فيها على سطح الأرض يومذاك، بعدما ساد من إحساس تشاؤم ويأس سكن نفوس العرب المنكسرة بأحزان هزيمة خامس يونيو (حزيران) 1967.
لم يمض طويل زمن حتى بدأ يتضح لي، عبر ما سمعت بعيداً عن دار «البلاغ»، وليس في داخلها، سبب ما اجتاح العقيد القذافي من غضب إزاء شخص الرئيس أنور السادات، أولاً، ثم كبار ضباط الجيش المصري، ثانياً. منشأ الغضب أساساً أن الرئيس السادات لم يطلع القذافي على ساعة الصفر قبل أن توجه مصر ضربة العبور المفاجئة. عاتب القذافي الرئيس السادات في اتصال هاتفي سريع يوم توجيه الضربة، ثم طلب أن يجري ربط إذاعة ليبيا مع الإذاعات المصرية كافةً في اليوم التالي، حتى تنقل خطاب تهنئة بالانتصار. السادات الواثق، والمنتصر، وافق. العقيد الغاضب خادع. أراد الانتقام. مع ذلك، ترفع الرئيس المصري عن النزول إلى ميدان منازلة في غير موقعها، فلم يصدر عنه كثير كلام رداً على تهجم العقيد، بل لم يمنع طائرته من الهبوط في مطار ألماظة العسكري بعد أيام، وتوجهه مباشرة إلى غرفة العمليات، إنما حال المشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية المصري آنذاك، بينه وبين دخولها.
سادس أكتوبر 1973 المصري، كان بالفعل فخراً لكل العرب. وخطاب العقيد القذافي يوم سابع أكتوبر من العام ذاته، كان صاعقاً لكل من انتظر لحظة انتصار عربية. لكن أكتوبر الليبي مليء بتواريخ تشد الأنظار. يوم العاشر من الشهر والعام نفسه (10/10/1973) جرى تأميم كل صحف القطاع الخاص في ليبيا، فسلم المحامي إبراهيم الغويل مفاتيح «البلاغ» إلى المؤسسة العامة للصحافة، وتسلم سالم والي رئاسة التحرير من عبد اللطيف بوشويرف. إن ترجع بالسنين أكثر، سوف يظهر لك سابع أكتوبر من عام 1951، الذي كان يوم إعلان الدستور الليبي. إذا مشيت إلى الأمام ثلاثين عاماً، من ذلك اليوم، تطلع على سابع أكتوبر 1981 عندما أعلن محمد بن غلبون تأسيس الاتحاد الدستوري، بقصد تشكيل نواة عمل سياسي مستقل، لكن مجرد التثبث باستقلالية العمل وضع الكثير من العقبات على الطريق. حين تصل إلى العشرين من أكتوبر 2011 سوف تتذكر، مذهولاً، كيف انتهى معمر القذافي إلى بئس المصير. صواب أم خطأ؟ ذلك موضوع يحتاج إلى مقال آخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أكتوبر مصري وآخر ليبي أكتوبر مصري وآخر ليبي



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates